والقاعدة ، وأن نصرفك عن أن تطرحه ، وتجعل العطف على ما يلي هذا الذي تعطفه ، فتزعم أن قوله : «فكان مسير عيسهم» معطوف على «فاجأني» ، فتقع في الخطأ كالذي أريناك.
فأمر العطف إذن ، موضوع على أنك تعطف تارة جملة على جملة ، وتعمد أخرى إلى جملتين أو جمل فتعطف بعضا على بعض ، ثم تعطف مجموع هذي على مجموع تلك.
وينبغي أن يجعل ما يصنع في الشرط والجزاء من هذا المعنى أصلا يعتبر به.
وذلك أنك ترى ، متى شئت ، جملتين قد عطفت إحداهما على الأخرى ، ثم جعلتا بمجموعهما شرطا ، ومثال ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [النساء : ١١٢] ، الشّرط كما لا يخفى في مجموع الجملتين لا في كل واحدة منهما على الانفراد ، ولا في واحدة دون الأخرى ، لأنّا إن قلنا أنّه في كل واحدة منهما على الانفراد ، جعلناهما شرطين ، وإذا جعلناهما شرطين اقتضتا جزاءين ، وليس معنا إلا جزاء واحد. وإن قلنا إنه في واحدة منهما دون الأخرى ، لزم منه إشراك ما ليس بشرط في الجزم بالشرط ، وذلك ما لا يخفى فساده.
ثم إنا نعلم من طريق المعنى أنّ الجزاء الذي هو احتمال البهتان والإثم المبين ، أمر يتعلق إيجابه لمجموع ما حصل من الجملتين ، فليس هو لاكتساب الخطيئة على الانفراد ، ولا لرمي البريء بالخطيئة أو الإثم على الإطلاق ، بل لرمي الإنسان البريء بخطيئة أو إثم كان من الرامي ، وكذلك الحكم أبدا. فقوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٠٠] ، لم يعلّق الحكم فيه بالهجرة على الانفراد ، بل بها مقرونا إليها أن يدركه الموت عليها.
واعلم أنّ سبيل الجملتين في هذا ، وجعلهما بمجموعهما بمنزلة الجملة الواحدة ، سبيل الجزءين تعقد منهما الجملة ، ثم يجعل المجموع خبرا أو صفة أو حالا ، كقولك : «زيد قام غلامه» و «زيد أبوه كريم» و «مررت برجل أبوه كريم» و «جاءني زيد يعدو به فرسه». فكما يكون الخبر والصّفة والحال لا محالة في مجموع الجزءين لا في أحدهما ، كذلك يكون الشرط في مجموع الجملتين لا في إحداهما. وإذا علمت ذلك في الشّرط ، فاحتذه في العطف ، فإنك تجده مثله سواء.