وصيّرني هواك وبي |
|
لحيني يضرب المثل (١) |
وقوله : [من مجزوء الوافر]
يزيدك وجهه حسنا |
|
إذا ما زدته نظرا (٢) |
أن تزعم أنّ «لصيّرني» فاعلا قد نقل عنه الفعل ، فجعل «للهوى» كما فعل ذلك في «ربحت تجارتهم» و «يحمي نساءنا ضرب» ، ولا تستطيع كذلك أن تقدر «ليزيد» في قوله : «يزيدك وجهه» فاعلا غير «الوجه» ، فالاعتبار إذن بأن يكون المعنى الذي يرجع إليه الفعل موجودا في الكلام على حقيقته.
معنى ذلك أن «القدوم» في قولك» «أقدمني بلدك حقّ لي على إنسان» ، موجود على الحقيقة ، وكذلك «الصيرورة» في قوله : «وصيّرني هواك» ، و «الزيادة» في قوله : «يزيدك وجهه» موجودا على الحقيقة ، وإذا كان معنى اللفظ موجودا على الحقيقة ، لم يكن المجاز فيه نفسه ، وإذا لم يكن المجاز في نفس اللفظ ، كان لا محالة في الحكم. فاعرف هذه الجملة ، وأحسن ضبطها ، حتى تكون على بصيرة من الأمر.
ومن اللطيف في ذلك قول حاجز بن عوف : [من الوافر]
أبي عبر الفوارس يوم داج |
|
وعمّي مالك وضع السّهاما |
فلو صاحبتنا لرضيت منّا |
|
إذا لم تغبق المائة الغلاما (٣) |
يريد إذا كان العام عام جدب وجفّت ضروع الإبل ، وانقطع الدّر ، حتى إن حلب منها مائة لم يحصل من لبنها ما يكون غبوق غلام واحد. فالفعل الذي هو «غبق» مستعمل في نفسه على حقيقته ، غير مخرج عن معناه وأصله إلى معنى شيء آخر ، فيكون قد دخله مجاز في نفسه ، وإنّما المجاز في أن أسند إلى الإبل وجعل فعلا لها ، وإسناد الفعل إلى الشّيء حكم في الفعل ، وليس هو نفس معنى الفعل ، فاعرفه.
واعلم أن من سبب اللّطف في ذلك أنه ليس كلّ شيء يصلح لأن يتعاطى فيه
__________________
(١) البيت سبق في عدة أبيات لابن البواب.
(٢) البيت لأبي نواس في ديوانه (٢٣٥) (ط) بيروت ، والإيضاح (٣٦) ، ونهاية الإيجاز (١٧٧) بلا عزو ، والمفتاح (٨٠٥) ، والطيبي في التبيان (١ / ٣٢٢) ، وأورده صاحب الأغاني (٢٥ / ٤١).
(٣) حاجز بن عوف بن الحارث الأزدي ، جاهلي ، صعلوك ، عدّاء ، والرواية في الأغاني (١٣ / ٢٣٥) ، «أبي ربع الفوارس ...» أي : أخذ ربع الغنائم ، وأما عبر الفوارس كما هنا فهي بمعنى ، استدل لهم حتى يعرف من أمرهم ما يعنيه.