بإسناد ، عن عبد الملك بن عمير أنه قال : أتي عمر رضوان الله عليه بحلل من اليمن ، فأتاه محمد بن جعفر بن أبي طالب ، ومحمد بن أبي بكر الصدّيق ، ومحمد بن طلحة ابن عبيد الله ، ومحمد بن حاطب ، فدخل عليه زيد بن ثابت رضياللهعنه فقال : يا أمير المؤمنين ، هؤلاء المحمّدون بالباب يطلبون الكسوة. فقال : ائذن لهم يا غلام. فدعا بحلل ، فأخذ زيد أجودها حلّة وقال : هذه لمحمد بن حاطب ، وكانت أمّه عنده ، وهو من بني لؤيّ ، فقال عمر رضياللهعنه : أيهات أيهات (١)! وتمثّل بشعر عمارة بن الوليد : [من الطويل]
أسرّك لمّا صرّع القوم نشوة |
|
خروجي منها سالما غير غارم |
بريئا ، كأنّي قبل لم أك منهم |
|
وليس الخداع مرتضى في التّنادم (٢) |
ردّها. ثم قال : ائتني بثوب فألقه على هذه الحلل. وقال : أدخل يدك فخذ حلّة وأنت لا تراها ، فأعطهم. قال عبد الملك : فلم أر قسمة أعدل منها (٣).
وعمارة ، هذا : هو «عمارة بن الوليد بن المغيرة» ، خطب امرأة من قومه (٤) فقالت لا أتزوجك أو تترك الشراب. فأبى ، ثم اشتدّ وجده بها فحلف لها أن لا يشرب ، ثم مرّ بخمار عنده شرب يشربون ، فدعوه فدخل عليهم وقد أنفدوا ما عندهم ، فنحر لهم ناقته وسقاهم ببرديه ، ومكثوا أياما ، ثم خرج فأتى أهله ، فلما رأته امرأته قالت : ألم تحلف أن لا تشرب؟ فقال :
ولسنا بشرب أمّ عمرو إذا انتشوا |
|
ثياب النّدامى عندهم كالغنائم |
ولكنّنا يا أمّ عمرو نديمنا |
|
بمنزلة الرّيّان ليس بعائم (٥) |
__________________
(١) وهي لغة في هيهات بمعنى بعد وهي اسم فعل ماض.
(٢) الأبيات في الأغاني ١٨ / ١٣١. والصّرع : الطرح بالأرض ، والصّرع : علة معروفة ، يقال : رجل صريع ومصروع ، والجمع : صرعى ، ومصارع القوم : حيث قتلوا. اللسان مادة : (صرع). وغارم : من الغرم : الدّين ، ورجل غارم : عليه دين. اللسان مادة : (غرم).
(٣) ذكره أبو الفرج في الأغاني (١٨ / ٦٢) ، والمرزباني في كتابه «معجم الشعراء» (٧٦).
(٤) انظر الأغاني (١٨ / ١٢٣).
(٥) البيتان في الأغاني (١٨ / ١٢٨) ، ومعجم الشعراء للمرزباني (٢٤٧). والشّرب والشّروب : القوم يشربون ويجتمعون على الشراب ومفردها شارب وشروب ، والشّريب : المولع بالشراب. والانتشاء : أول السّكر ومقدماته ، وقيل : هو السكر نفسه ، ورجل نشوان : بيّن النشوة ، وانتشى كله : سكر فهو نشوان. اللسان (نشا). والنديم تجمع على ندامى. ونادمه منادمة ونداما : جالسه على الشراب والندم. القاموس المحيط (ندم).