كل ذلك توصّل إلى إثبات الصفة في الممدوح بإثباتها في المكان الذي يكون فيه ، وإلى لزومها له بلزومها الموضع الذي يحله. وهكذا إن اعتبرت قول الشّنفرى يصف امرأة بالعفة : [من الطويل]
يبيت بمنجاة من اللّؤم بيتها |
|
إذا ما بيوت بالملامة حلّت (١) |
وجدته يدخل في معنى بين «زياد» ، وذلك أنه توصّل إلى نفي اللّؤم عنها وإبعادها عنه ، بأن نفاه عن بيتها وباعد بينه وبينه ، وكان مذهبه في ذلك مذهب «زياد» في التوصل إلى جمع «السماحة والمروءة والندى» في ابن الحشرج ، بأن جعلها في القبة المضروبة عليها. وإنّما الفرق أنّ هذا ينفي ، وذاك يثبت. وذلك فرق لا في موضع الجمع ، فهو لا يمنع أن يكونا من نصاب واحد.
وممّا هو في حكم المناسب لبيت «زياد» وأمثاله التي ذكرت ، وإن كان قد أخرج في صورة أغرب وأبدع ، قول حسان رضياللهعنه : [من الطويل]
بنى المجد بيتا فاستقرّت عماده |
|
علينا ، فأعيى النّاس أن يتحوّلا (٢) |
وقول البحتري : [من الكامل]
أو ما رأيت المجد ألقى رحله |
|
في آل طلحة ثمّ لم يتحوّل (٣) |
ذاك لأنّ مدار الأمر على أنه جعل المجد والممدوح في مكان ، وجعله يكون حيث يكون.
__________________
(١) البيت في المفضليات (١٠٨) رقم (٢٠) ، وقبله :
لقد أعجبتني لا سقوطا قناعها |
|
إذا ما مشت ولا بذات تلفت |
تبيت بعيد النوم تهدي عنوقها |
|
لجارتها إذا ما الهدية قلت |
والشنفرى شاعر جاهلي من بني الحارث بن ربيعة. والشنفرى اسمه ، وقيل : لقب له ، ومعناه عظيم الشفة. والبيت أورده القزويني في الإيضاح (٢٩٢) ، والمفتاح (٥١٩) ، والطيبي في التبيان (١ / ٣٣٢) ، والطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٢٦) ، ونهاية الإيجاز (٢٧١) ، والطراز (١ / ٤٢٤).
(٢) البيت في ديوانه (١٦٢) ط ، دار ابن خلدون من قصيدة مطلعها :
لك الخير غضي اللوم عني فإنني |
|
أحب من الأخلاق ما كان أجملا |
ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي |
|
فما طائري يوما عليك بأخيلا |
(٣) البيت في ديوانه ، وأورده القزويني في الإيضاح (٢٩٣) ، والطيبي في التبيان (١ / ٣٣١) ، ومحمد ابن علي السكاكي في المفتاح (٥٢٢) ، والعلوي في الطراز (١ / ٤٢٤) ، والإشارات للجرجاني (٢٤٨) ، والبيت في شرح ديوان أبي تمام لشاهين عطية (١٠٥).