واعلم أنه ليس كلّ ما جاء كناية في إثبات الصفة يصلح أن يحكم عليه بالتناسب.
معنى هذا : أن جعلهم الجود والكرم والمجد يمرض بمرض الممدوح كما قال البحتريّ : [من الطويل]
ظللنا نعود الجود من وعك الّذي |
|
وجدت ، وقلنا اعتلّ عضو من المجد (١) |
وإن كان يكون القصد منه إثبات الجود والمجد للممدوح ، فإنه لا يصحّ أن يقال إنه نظير لبيت «زياد» كما قلنا ذاك في بيت أبي نواس :
ولكن يصير الجود حيث يصير
وغيره مما ذكرنا أنه نظير له كما أنه لا يجوز أن يجعل قوله :
وكلبك أرأف بالزّائرين (٢)
مثلا ، نظيرا لقوله :
مهزول الفصيل
وإن كان الغرض منهما جميعا الوصف بالقرى والضيافة ، وكانا جميعا كنايتين عن معنى واحد ، لأن تعاقب الكنايات على المعنى الواحد لا يوجب تناسبها ، لأنه في عروض أن تتّفق الأشعار الكثيرة في كونها مدحا بالشجاعة مثلا أو بالجود أو ما أشبه ذلك. وقد يجتمع في البيت الواحد كنايتان ، المغزى منهما شيء واحد ، ثم لا تكون إحداهما في حكم النظير للأخرى. مثال ذلك أنه لا يكون قوله : «جبان الكلب» نظيرا لقوله : «مهزول الفصيل» ، بل كل واحدة من هاتين الكنايتين أصل بنفسه ، وجنس على حدة ، وكذلك قول ابن هرمة : [من المنسرح]
لا أمتع العوذ بالفصال ولا |
|
أبتاع إلّا قريبة الأجل (٣) |
ليس إحدى كنايتيه في حكم النظير للأخرى ، وإن كان المكنيّ بهما عنه واحدا ، فاعرفه.
وليس لشعب هذا الأصل وفروعه وأمثلته وصوره وطرقه ومسالكه حدّ ونهاية. ومن لطيف ذلك ونادره قول أبي تمام : [من الوافر]
__________________
(١) البيت : للبحتري في مدح إبراهيم بن المدبّر (الديوان ١ / ٣٦٥).
(٢) سبق تخريجه قريبا.
(٣) راجع ص (١٨١) هامش (١).