تخليط العامة في مثل : «هذا يسوى ألفا» ، أو إلى أن يأتوا بالغريب الوحشيّ في كلام يعارضون به القرآن؟ كيف وأنت تقرأ السّورة من السّور الطّوال فلا تجد فيها من الغريب شيئا ، وتتأمّل ما جمعه العلماء في غريب القرآن ، فترى الغريب منه إلا في القليل ، إنّما كان غريبا من أجل استعارة هي فيه ، كمثل (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] ، ومثل : (خَلَصُوا نَجِيًّا) [يوسف : ٨٠] ، ومثل : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤] ، دون أن تكون اللفظة غريبة في نفسها ، إنما ترى ذلك في كلمات معدودة كمثل : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) [ص : ١٦] ، و (ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) [القمر : ١٣] ، و (جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم : ٢٤].
ثم إنّه لو كان أكثر ألفاظ القرآن غريبا ، لكان محالا أن يدخل ذلك في الإعجاز ، وأن يصحّ التّحدّي به. ذاك لأنه لا يخلو إذا وقع التحدّي به من أن يتحدّى من له علم بأمثاله من الغريب ، أو من لا علم له بذلك.
فلو تحدّي به من يعلم أمثاله ، لم يتعذّر عليه أن يعارضه بمثله. ألا ترى أنه لا يتعذّر عليك إذا أنت عرفت ما جاء من الغريب في معنى «الطويل» أن تعارض من يقول : «الشّوقب» (١) ، بأن تقول أنت «الشّوذب» (٢) ، وإذا قال «الأمقّ» (٣) أن تقول «الأشقّ» (٤)؟ وعلى هذا السبيل.
ولو تحدّي به من لا علم له بأمثال ما فيه من الغريب ، كان ذلك بمنزلة أن يتحدّى العرب إلى أن يتكلّموا بلسان التّرك.
هذا ، وكيف بأن يدخل الغريب في باب الفضيلة ، وقد ثبت عنهم أنهم كانوا يرون الفضيلة في ترك استعماله وتجنّبه؟ أفلا ترى إلى قول عمر رضياللهعنه في زهير : «إنه كان لا يعاظل بين القول ، ولا يتتبّع حوشيّ الكلام»؟ فقرن تتبّع «الحوشيّ» ، وهو الغريب من غير شبهة إلى «المعاظلة» التي هي التعقيد.
وقال الجاحظ في «كتاب البيان والتّبيين» : «ورأيت النّاس يتداولون رسالة يحيى بن يعمر على لسان يزيد بن المهلّب إلى الحجّاج : «إنّا لقينا العدوّ فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة ، ولحقت طائفة بعراعر الأودية وأهضام الغيطان ، وبتنا بعرعرة
__________________
(١) الرجل الطويل. القاموس مادة «الشقب» (١٣١).
(٢) الطويل. القاموس مادة «شذب» (١٢٨).
(٣) الطويل. القاموس «مادة مقق» (١٩٣).
(٤) الطويل : القاموس مادة «شقق» (١١٥٩).