لشيء غاظه منه ، فذكر أنّه إن قتله قتل ارتدع ، صار المهموم بقتله كأنه قد استفاد حياة فيما يستقبل بالقصاص» كنا قد أدّينا المعنى في تفسيرنا هذا على صورته التي هو عليها في الآية ، حتى لا نعرف فضلا ، وحتى يكون حال الآية والتفسير حال اللّفظتين إحداهما غريبة والأخرى مشهورة ، فتفسّر الغريبة بالمشهورة ، مثل أن تقول مثلا في «الشّرجب» (١) إنه الطويل ، وفي «القطّ» إنه الكتاب ، وفي «الدّسر» إنه المسامير. ومن صار الأمر به إلى هذا ، كان الكلام معه محالا.
واعلم أنه ليس عجب أعجب من حال من يرى كلامين ، أجزاء أحدهما مخالفة في معانيها لأجزاء الآخر ، ثم يرى أنه يسع في العقل أن يكون معنى أحد الكلامين مثل معنى الآخر سواء ، حتى يقعد فيقول : «إنّه لو كان يكون الكلام فصيحا من أجل مزيّة تكون في معناه ، لكان ينبغي أن توجد تلك المزيّة في تفسيره». ومثله في العجب أنّه ينظر إلى قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] ، فيرى إعراب الاسم الذي هو «التجارة» ، قد تغير فصار مرفوعا بعد أن كان مجرورا ، ويرى أنّه قد حذف من اللفظ بعض ما كان فيه ، وهو «الواو» في «ربحوا» ، و «في» من قولنا : «في تجارتهم» ، ثم لا يعلم أن ذلك يقتضي أن يكون المعنى قد تغيّر كما تغيّر اللفظ!!
واعلم أنه ليس للحجج والدّلائل في صحة ما نحن عليه حدّ ونهاية ، وكلما انتهى منه باب انفتح فيه باب آخر. وقد أردت أن آخذ في نوع آخر من الحجاج ، ومن البسط والشّرح ، فتأمل ما أكتبه لك.
اعلم أن الكلام الفصيح ينقسم قسمين : قسم تعزى المزيّة والحسن فيه إلى اللفظ وقسم يعزى ذلك فيه إلى النّظم.
فالقسم الأول : «الكناية» و «الاستعارة» و «التمثيل الكائن على حدّ الاستعارة» ، وكلّ ما كان فيه ، على الجملة ، مجاز واتّساع وعدول باللفظ عن الظاهر ، فما من ضرب من هذه الضّروب إلّا وهو إذا وقع على الصّواب وعلى ما ينبغي ، أوجب الفضل والمزية.
فإذا قلت : «هو كثير رماد القدر» ، كان له موقع وحظّ من القبول لا يكون إذا قلت : «هو كثير القرى والضيافة».
وكذا إذا قلت : «هو طويل النجاد» ، كان له تأثير في النفس لا يكون إذا قلت : «هو طويل القامة».
__________________
(١) الطويل والفرس الكريم ، ا. ه القاموس «شرجب» (١٢٩).