من حيث يكون القصد بالإثبات فيها إلى معنى ليس هو معنى اللّفظ ، ولكنه معنى يستدلّ بمعنى اللفظ عليه ، ويستنبط منه ، كنحو ما ترى من أن القصد في قولهم : «هو كثير رماد القدر» ، إلى كثرة القرى ، وأنت لا تعرف ذلك من هذا اللفظ الذي تسمعه ، ولكنك تعرفه بأن تستدلّ عليه بمعناه ، وعلى ما مضى الشرح فيه.
وإذ قد عرفت ذلك ، فينبغي أن يقال لهؤلاء الذين اعترضوا علينا في قولنا : «إنّ الفصاحة وصف يجب للكلام من أجل مزيّة تكون في معناه ، وأنها لا تكون وصفا له من حيث اللّفظ مجرّدا عن المعنى» ، واحتجّوا بأن قالوا : «إنه لو كان الكلام إذا وصف بأنه فصيح ، كان ذلك من أجل مزيّة تكون في معناه ، لوجب أن يكون تفسيره فصيحا مثله» أخبرونا عنكم ، أترون أنّ من شأن هذه الأجناس ، إذا كانت في الكلام ، أن تكون له بها مزيّة توجب له الفصاحة ، أم لا ترون ذلك؟
فإن قالوا : لا نرى ذلك لم يكلّموا
وإن قالوا : نرى للكلام ، إذا كانت فيه ، مزيّة توجب له الفصاحة.
قيل لهم : فأخبرونا عن تلك المزية ، أتكون في اللفظ أم في المعنى؟
فإن قالوا : في اللفظ دخلوا في الجهالة ، من حيث يلزم من ذلك أن تكون «الكناية» و «الاستعارة» و «التمثيل» أوصافا للفظ ، لأنه لا يتصوّر أن تكون مزيّتها في اللفظ حتى تكون أوصافا له. وذلك محال ، من حيث يعلم كلّ عاقل أنه لا يكنى باللفظ عن اللفظ ، وأنه إنّما يكنى بالمعنى عن المعنى. وكذلك يعلم أنه لا يستعار اللفظ مجرّدا عن المعنى ، ولكن يستعار المعنى ، ثم اللفظ يكون تبع المعنى ، على ما قدّمنا الشرح فيه. ويعلم كذلك أنّه محال أن يضرب «المثل» باللفظ ، وأن يكون قد ضرب لفظ : «أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى» مثلا لتردّده في أمر البيعة.
وإن قالوا : هي في المعنى.
قيل لهم : فهو ما أردناكم عليه ، فدعوا الشكّ عنكم ، وانتبهوا من رقدتكم ، فإنّه علم ضروريّ قد أدّى التقسيم إليه ، وكلّ علم كان كذلك ، فإنه يجب القطع على كلّ سؤال يسأل فيه بأنّه خطأ ، وأنّ السّائل ملبوس عليه.
ثم إن الذي يعرف به وجه دخول الغلط عليهم في قولهم : «إنّه لو كان الكلام يكون فصيحا من أجل مزيّة تكون في معناه ، لوجب أن يكون تفسيره فصيحا مثله» ، هو أنّك إذا نظرت إلى كلامهم هذا وجدتهم كأنهم قالوا : «إنه لو كان الكلام إذا كان