لا تنظر إلى أنه قال : «يشتاقه الغد» ، فأعاد لفظ أبي تمام ، ولكن انظر إلى قوله :
يعمل نحوه تلفّت ملهوف
وقول أبي تمام : [من الطويل]
لئن ذمّت الأعداء سوء صباحها |
|
فليس يؤدّي شكرها الذّئب والنّسر (١) |
مع قول المتنبي : [من المتقارب]
وأنبتّ منهم ربيع السّباع |
|
فأثنت بإحسانك الشّامل (٢) |
وقول أبي تمام : [من البسيط]
وربّ نائي المغاني روحه أبدا |
|
لصيق روحي ودان ليس بالدّاني (٣) |
مع قول المتنبي : [من الوافر]
لنا ولأهله أبدا قلوب |
|
تلاقى في جسوم ما تلاقى (٤) |
__________________
(١) البيت في الديوان (ص ٤٨٤) وبعده :
بها عرفت أقدارها بعد جهلها |
|
بأقدارها قيس بن عيلان والفزر |
والفزر : سعد بن مناة بن تميم. وقيس عيلان : قبيلة عربية مشهورة. والبيت من قصيدة مطلعها :
تصدّت وحبل البين مستحصد شزر |
|
وقد سهّل التوديع ما أوعر الهجر |
وتصدّت : تعرضت. والمستحصد : المفتول فتلا محكما. والشزر : الشديد الفتل.
(٢) البيت في الديوان (٢ / ١٩) ، وفي شرح التبيان للعكبري على ديوان أبي الطّيب (٢ / ٣٩) ، والبيت من قصيدة يمدح فيها سيف الدولة ويذكر استنقاذه أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان العدوي من أسر الخارجي سنة سبع وثلاثين وثلاث مائة (٩٤٨ م) ، والقصيدة مطلعها :
إلام طماعية العاذل |
|
ولا رأي في الحب للعاقل |
والشاعر يريد أن يقول : لو قدرت السباع على النطق لأثنت بما شملها من إحسانك بكثرة القتلى فكأنك بما أوليتها من لحوم القتلى أنبت لها ربيعا ، وهذا ترشيح للاستعارة بأن السباع لا تأكل الحشيش ، ولما استعار الربيع استعار النبت وهذا البيت من أحسن ما قاله المتنبي وهو مبني على الاستعارة ومثله :
وكان بها مثل الجنون فأصبحت |
|
ومن جثث القتلى عليها تمائم |
(٣) البيت في الديوان (ص ٣١٤) ، من قصيدة يمدح فيها سليمان بن وهب ويشفع في رجل يقال له سليمان بن رزين ابن أخي دعبل. والنائي : البعيد. والمغاني : المنازل. والداني : القريب.
(٤) البيت في الديوان (٢ / ٤٠) ، وفي شرح التبيان للعكبري (١ / ٤٦٧) ، والبيت من قصيدة له يمدح فيها سيف الدولة وقد أمر له بفرس وجارية مطلعها :
أيدري الرّبع أيّ دم أراقا |
|
وأيّ قلوب هذا الركب شاقا |
لنا ولأهله أبدا قلوب |
|
تلاقى في جسوم ما تلاقى |
لأهله : الضمير للربع ، وتلاقى : تتلاقى. والمعنى : يقول لنا وللراحلين من أهله قلوب تتلاقى أبدا بما هي عليه من الشوق والتذكار لسالف العهد وأيّام الوصال في أجسام متنافية وأجسام غير متلاقية وهو منقول من ابن المعتز : أنا على البعاد والتفرق لنلتقي بالذكر إن لم نلتقي.