سالت عليه شعاب الحيّ حين دعا |
|
أنصاره ، بوجوه كالدّنانير (١) |
أراد أنّه مطاع في الحيّ ، وأنهم يسرعون إلى نصرته ، وأنه لا يدعوهم لحرب أو نازل خطب ، إلا أتوه وكثروا عليه ، وازدحموا حواليه ، حتى تجدهم كالسيول تجيء من هاهنا وهاهنا ، وتنصبّ من هذا المسيل وذلك ، حتى يغصّ به الوادي ويطفح منها.
ومن بديع الاستعارة ونادرها ، إلا أنّ جهة الغرابة فيه غير جهتها في هذا ، قول يزيد بن مسلمة بن عبد الملك يصف فرسا له ، وأنّه مؤدّب ، وأنه إذا نزل عنه وألقى عنانه في قربوس سرجه ، وقف مكانه إلى أن يعود إليه : [من الكامل]
عوّدته فيما أزور حبائبي |
|
إهماله ، وكذاك كلّ مخاطر |
وإذا اختبى قربوسه بعنانه |
|
علك الشّكيم إلى انصراف الزّائر (٢) |
فالغرابة هاهنا في الشبه نفسه ، وفي أن استدرك أنّ هيئة العنان في موقعه من قربوس السرج ، كالهيئة في موضع الثّوب من ركبة المحتبي.
وليست الغرابة في قوله : [من الطويل] وسالت بأعناق المطيّ الأباطح (٣) على هذه الجملة (٤) ، وذلك أنه لم يغرب لأن جعل المطيّ في سرعة سيرها وسهولته كالماء يجري في الأبطح ، فإنّ هذا شبه معروف ظاهر ، ولكن الدّقة واللطف في خصوصيّة أفادها ، بأن جعل «سال» فعلا للأباطح ، ثم عدّاه بالباء ، بأن أدخل الأعناق في البين ، : فقال «بأعناق المطيّ» ، ولم يقل : «بالمطيّ» ، ولو قال : «سالت المطيّ في الأباطح» ، لم يكن شيئا.
وكذلك الغرابة في البيت الآخر ، ليس في مطلق معنى «سال» ، ولكن في تعديته
__________________
(١) هو لابن المعتز في الإيضاح (٢٦٥) ، وينسب أيضا إلى محرز بن المكعبر ، ولد حاجة بن عبد قيس التيمي ، وهو بلا نسبة في أساس البلاغة (سهل) ، وقيل : لسبيع بن الخطيم التيمي ، وانظر المؤتلف والمختلف للآمدي (١١٢).
(٢) البيتان ليزيد بن مسلمة ، والثاني منهما في عروس الأفراح ، والإيضاح (٢٦٤) ، والقربوس : حنو السّرج ، وجمعه : قرابيس ، والشكيم والشكيمة في اللجام : الحديدة المعترضة في فم الفرس. اه القاموس / شكم / (١٤٥٥).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) يعني على هذا الوجه والمعنى.