يجد فيه سبيلا إلى مزيّة علم ، وفضل استبانة ، وتلخيص حجّة (١) ، وتحرير دليل ، ثمّ يعرض عن ذلك صفحا ، ويطوي دونه كشحا (٢) ، وأن يربأ بنفسه (٣) ، وتدخل عليه الأنفة من أن يكون في سبيل المقلّد الذي لا يبتّ حكما ، ولا يقتل الشيء علما ، ولا يجد ما يبرئ من الشبهة ، ويشفى غليل الشاكّ ، وهو يستطيع أن يرتفع عن هذه المنزلة ، ويباين من هو بهذه الصفة ، فإنّ ذلك دليل ضعف الرأي وقصر الهمّة ممن يختاره ويعمل عليه.
اعلم أن ليس «النّظم» إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه «علم النحو» ، وتعمل على قوانينه وأصوله ، وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها ، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك ، فلا تخلّ بشيء منها.
وذلك أنا لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه ، فينظر في «الخبر» إلى الوجوه التي تراها في قولك : «زيد منطلق» و «زيد ينطلق» ، و «ينطلق زيد» و «منطلق زيد» ، و «زيد المنطلق» و «المنطلق زيد» و «زيد هو المنطلق» ، و «زيد هو منطلق».
وفي «الشرط والجزاء» إلى الوجوه التي تراها في قولك : «إن تخرج أخرج» و «إن خرجت خرجت» و «إن تخرج فأنا خارج» و «أنا خارج إن خرجت» و «أنا إن خرجت خارج».
وفي «الحال» إلى الوجوه التي تراها في قولك : «جاءني زيد مسرعا» ، وجاءني يسرع» ، و «جاءني وهو مسرع أو وهو يسرع» و «جاءني قد أسرع» و «جاءني وقد أسرع».
فيعرف لكلّ من ذلك موضعه ، ويجيء به حيث ينبغي له.
وينظر في «الحروف» التي تشترك في معنى ، ثم ينفرد كل واحد منها بخصوصية في ذلك المعنى ، فيضع كلّا من ذلك في خاص معناه ، نحو أن يجيء ب «ما» في نفس الحال ، ب «لا» إذا أراد نفي الاستقبال ، وب «إن» فيما يترجح بين أن يكون وأن لا يكون ، وب «إذا» فيما علم أنه كائن.
وينظر في «الجمل» التي تسرد ، فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل ،
__________________
(١) أي : شرحها وبيانها.
(٢) وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف وطوى كشحه على الأمر : أضمره وستره. القاموس / كشح / (٣٠٥).
(٣) قوله : وأن يربأ بنفسه. جملة معطوفة على : (أن لا يرضى من نفسه).