ثم يعرف فيما حقّه الوصل موضع «الواو» من موضع «الفاء» ، وموضع «الفاء» من موضع «ثم» ، وموضع «أو» من موضع «أم» ، وموضع «لكن» من موضع «بل».
ويتصرّف في التعريف ، والتنكير ، والتقديم ، والتأخير ، في الكلام كله ، وفي الحذف ، والتكرار ، والإضمار ، والإظهار ، فيصيب بكلّ من ذلك مكانه ، ويستعلمه على الصّحة وعلى ما ينبغي له.
هذا هو السبيل ، فلست بواجد شيئا يرجع صوابه إن كان صوابا ، وخطؤه إن كان خطأ إلى «النظم» ، ويدخل تحت هذا الاسم ، إلّا وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه ، ووضع في حقه ، أو عومل بخلاف هذه المعاملة ، فأزيل عن موضعه ، واستعمل في غير ما ينبغي له ، فلا ترى كلاما قد وصف بصحّة نظم أو فساده ، أو وصف بمزيّة وفضل فيه ، إلا وأنت تجد مرجع تلك الصحة وذلك الفساد وتلك المزية وذلك الفضل ، إلى معاني النحو وأحكامه ، ووجدته يدخل في أصل من أصوله ، ويتّصل بباب من أبوابه.
هذه جملة لا تزداد فيها نظرا ، إلا ازددت لها تصوّرا ، وازدادت عندك صحة ، وازددت بها ثقة. وليس من أحد تحرّكه لأن يقول في أمر «النظم» شيئا ، إلا وجدته قد اعترف لك بها أو ببعضها ، ووافق فيها درى ذلك أو لم يدر. ويكفيك أنّهم قد كشفوا عن وجه ما أردناه حيث ذكروا فساد «النظم» ، فليس من أحد يخالف في نحو قول الفرزدق : [من الطويل]
وما مثله في النّاس إلّا مملّكا |
|
أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه (١) |
وقول المتنبي : [من الكامل]
ولذا اسم أغطية العيون جفونها |
|
من أنّها عمل السّيوف عوامل (٢) |
وقوله : [من الكامل]
الطّيب أنت إذا أصابك طيبه ، |
|
والماء أنت إذا اغتسلت الغاسل (٣) |
__________________
(١) البيت في ديوانه يمدح فيه هشام بن عبد الملك بن مروان أحد ملوك بني أمية ، وخاله الممدوح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي. انظر اللسان (ملك) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٤٣) ، وهو بلا نسبة في الخصائص (١ / ١٤٦ ، ٣٢٩) ، (٢ / ٣٩٣).
(٢) في ديوانه فانظره ، ضمير أنها للعيون ، أي : أنها تعمل عمل السيوف ، ولذا سميت أغطية العيون جفونا ، والجفون : أغماد السيوف ، أي : لأنها تعمل عمل السيوف.
(٣) في ديوانه ، والمعنى : إذا أصابك الطيب يتنشق طيبك لأنك أنت طيبة ، وإذا اغتسلت بالماء فأنت الغاسل له.