وقوله : [من الطويل]
وفاؤكما كالرّبع أشجاه طاسمه |
|
بأن تسعدا ، والدّمع أشفاه ساجمه (١) |
وقول أبو تمام : [من الكامل]
ثانيه كبد السّماء ، ولم يكن |
|
كاثنين ثان إذ هما في الغار (٢) |
وقوله : [من البسيط]
يدي لمن شاء رهن لم يذق جرعا |
|
من راحتيك درى ما الصّاب والعسل (٣) |
وفي نظائر ذلك (٤) مما وصفوه بفساد النظم ، وعابوه من جهة سوء التأليف ، أن الفساد والخلل كانا من أن تعاطى الشاعر ما تعاطاه من هذا الشأن على غير الصواب ، وصنع في تقديم أو تأخير ، أو حذف وإضمار ، أو غير ذلك مما ليس له أن يصنعه ، وما لا يسوغ ولا يصحّ على أصول هذا العلم. وإذا ثبت أن سبب فساد النظم واختلاله ، أن لا يعمل بقوانين هذا الشأن ، ثبت أنّ سبب صحّته أن يعمل عليها ، ثم إذا ثبت أنّ مستنبط صحّته وفساده من هذا العلم ، ثبت أن الحكم كذلك في مزيّته والفضيلة التي تعرض فيه ، وإذا ثبت جميع ذلك ، ثبت أن ليس هو شيئا غير توخّي معاني هذا العلم وأحكامه فيما بين الكلم ، والله الموفق للصواب.
وإذ قد عرفت ذلك ، فاعمد إلى ما تواصفوه بالحسن ، وتشاهدوا له بالفضل ، ثمّ جعلوه كذلك من أجل «النظم» خصوصا ، دون غيره مما يستحسن له الشعر أو غير الشعر ، من معنى لطيف أو حكمة أو أدب أو استعارة أو تجنيس أو غير ذلك مما لا يدخل في النظم ، وتأمّله ، فإذا رأيتك قد ارتحت واهتززت واستحسنت ، فانظر إلى حركات الأريحيّة ممّ كانت؟ وعند ما ذا ظهرت؟ فإنك ترى عيانا أن الذي قلت لك كما قلت. اعمد إلى قول البحتري : [من المتقارب]
__________________
(١) البيت في ديوانه فانظره ، والتبيان (٢ / ٢٥٤). وشجاه شجوا : أحزنه وأشجاه تفضيل من شجى ، والطاسم : الدارس ، والساجم : السائل سجم الدمع سجوما وسجاما : سال وانسجم ، وسجمت العين دمعها وعين سجوم وأسجمت السماء : صبت. والمعنى : الشاعر يخاطب صاحبيه الذين عاهداه على مساعدته بالبكاء عند ربع الأحبة ، ويبرر شدة حزنه بقلة مساعدتهما له بالبكاء ، ويعذر دمعه لأن صاحبيه خاليان ولا يعرفان ما فيه من حزن.
(٢) البيت في ديوانه (ص ١٤٥) ، ونهاية الإعجاز (ص ٢٧٩) ، والموازنة (ص ٢٩) ، والإيضاح (ص ١٦٠).
(٣) البيت في ديوانه (ص ٢١٥) ، والصاب : عصير نبات مرّ ، وقيل : شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللّبن.
(٤) الجملة مرتبطة ببداية الكلام ، وهو قوله : «فليس من أحد يخالف».