بلونا ضرائب من قد نرى |
|
فما إن رأينا لفتح ضريبا |
هو المرء أبدت له الحادثا |
|
ت عزما وشيكا ورأيا صليبا |
تنقّل في خلقي سؤدد |
|
سماحا مرجّا وبأسا مهيبا |
فكالسّيف إن جئته صارخا ، |
|
وكالبحر إن جئته مستثيبا (١) |
فإذا رأيتها قد راقتك وكثرت عندك ، ووجدت لها اهتزازا في نفسك ، فعد فانظر في السبب واستقص في النظر ، فإنك تعلم ضرورة أن ليس إلا أنه قدّم وأخّر ، وعرّف ونكّر ، وحذف وأمر ، وأعاد وكرّر ، وتوخّى على الجملة وجها من الوجوه التي يقتضيها «علم النحو» ، فأصاب في ذلك كله ، ثم لطّف موضع صوابه ، وأتى مأتى يوجب الفضيلة.
أفلا ترى أن أول شيء يروقك منها قوله : «هو المرء أبدت له الحادثات» ، ثم قوله : «تنقّل في خلقي سؤدد» بتنكير «السؤدد» وإضافة «الخلقين» إليه ، ثم قوله : «فكالسيف» وعطفه بالفاء مع حذفه المبتدأ ، لأن المعنى لا محالة : فهو كالسيف ثم تكريره «الكاف» في قوله : «وكالبحر» ، ثم أن قرن إلى كل واحد من التشبيهين شرطا جوابه فيه ، ثم أن أخرج من كل واحد من الشرطين حالا على مثال ما أخرج من الآخر ، وذلك قوله «صارخا» هناك «ومستثيبا» هاهنا؟ لا ترى حسنا تنسبه إلى النظم ليس سببه ما عددت ، أو ما هو في حكم ما عددت ، فاعرف ذلك.
وإن أردت أظهر أمرا في هذا المعنى ، فانظره إلى قول إبراهيم بن العباس :
فلو إذ نبا دهر ، وأنكر صاحب ، |
|
وسلّط أعداء ، وغاب نصير |
تكون عن الأهواز داري بنجوة ، |
|
ولكن مقادير جرت وأمور |
وإنّي لأرجو بعد هذا محمّدا |
|
لأفضل ما يرجى أخ ووزير (٢) |
فإنك ترى ما ترى من الرّونق والطّلاوة ، ومن الحسن والحلاوة ، ثم تتفقّد السبب في ذلك ، فتجده إنّما كان من أجل تقديمه الظرف الذي هو «إذ نبا» على
__________________
(١) الأبيات في ديوانه ، في مدح الفتح بن خاقان ، والضرائب جمع ضريبة وهي الطبيعة والسّجية وهذه ضريبته التي ضرب عليها وهي الخليقة. يقال : خلق الناس على ضرائب شتى. وإنه لكريم الضرائب. والضريب : الشكل في القدّ والخلق ، يقال : فلان ضريب فلان أي : نظيره وضريب الشكل مثله وشكله. والمستثيب : طالب الثواب.
(٢) في ديوانه قالها لمّا عزل عن الأهواز في أيّام محمد بن عبد الملك الزّيات. الأغاني (١٠ / ٦١ ، ٦٢). والنجوة : ما ارتفع من الأرض فلم يعله السّيل ، والأهواز سبع كور بين البصرة وفارس ، لكل كورة منها اسم ويجمعهن الأهواز ..