وبيت الفرزدق : [من الكامل]
والشّيب ينهض في الشّباب كأنّه |
|
ليل يصيح بجانبيه نهار (١) |
وبيت بشّار : [من الطويل]
كأنّ مثار النّقع فوق رءوسنا |
|
وأسيافنا ، ليل تهاوى كواكبه (٢) |
ومما أتى في هذا الباب مأتى أعجب مما مضى كله ، قول زياد الأعجم : [من الطويل]
وإنّا وما تلقي لنا إن هجوتنا |
|
لكالبحر ، مهما يلق في البحر يغرق (٣) |
وإنما كان أعجب ، لأن عمله أدقّ ، وطريقه أغمض ، ووجه المشابكة فيه أغرب.
واعلم أنّ من الكلام ما أنت تعلم إذا تدبرته أن لم يحتج واضعه إلى فكر ورويّة حتى انتظم ، بل ترى سبيله في ضمّ بعضه إلى بعض ، سبيل من عمد إلى لآل فخرطها في سلك ، لا يبغي أكثر من أن يمنعها التفرّق ، وكمن نضد أشياء بعضها على بعض ، لا يريد في نضده ذلك أن تجيء له منه هيئة أو صورة ، بل ليس إلا أن تكون مجموعة في رأي العين. وذلك إذا كان معناك ، معنى لا تحتاج أن تصنع فيه شيئا غير أن تعطف لفظا على مثله ، كقول الجاحظ :
__________________
ـ (٧ / ٦٤) ، وأوضح المسالك (٢ / ٣٢٩) ، ومغني اللبيب (١ / ٢١٨ ، ٢ / ٣٩٢ ، ٤٣٩). والعنّاب : ثمر يطلق على شجر العنّاب وهو أحمر حلو لذيذ الطعم على شكل ثمرة النبق. والحشف من التمر : أردؤه ، وهو الذي يجف قبل نضجه فلا يكون له نوى ولا لحاء ولا حلاوة ولا لحم.
(١) البيت للفرزدق في ديوانه من قصيدة مطلعها :
أعرفت بين رويتين وحنبل |
|
دمنا تلوح كأنها الأسطار |
ورويتين وحنبل : موضعان. الأسطار : أراد الأثر الخفي محته الأمطار ، يقال : صاح العنقود يصيح إذا استتم خروجه من أكمته وطال وهو في ذلك غضّ ، وتصيّح البقل والشّعر أي : تشقق ، وقول رؤية : كالكرم إذ نادى من الكافور : أراد : صاح.
(٢) البيت لبشار بن برد في ديوانه (١ / ٣١٨) ، والمصباح (١٠٦) ويروى «رءوسهم» بدل «رءوسنا». الأغاني (٣ / ١٩٢) ، والنقع : الغبار ، وتهاوى : تتهاوى أي : تتساقط.
(٣) البيت في الأغاني (١٥ / ٣٩٢) ، قاله حينما همّ الفرزدق أن يهجو عبد القيس فأسمعه زياد بيتين وكان هذا البيت أحدهما قال : أي زياد :
وما ترك الهاجون لي إن هجوته |
|
مصحّا أراه في أديم الفرزدق |
فإنّا وما تهدي لنا إن هجوتنا |
|
لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق |
فقال له الفرزدق : حسبك وما عاوده بشيء. والبيت في الإيضاح (٢٣١). ويروى البيت «وإنّا» بدل «فإنا».