من كلّ ناحية بأصوات مختلفة ، أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله ، فسألت جبرئيل عنهم فقال : كما ترى خلقوا ، إن الملك منهم الى جنب صاحبه ، ما كلمه قط ، ولا رفعوا رؤوسهم الى ما فوقها ، ولا خفضوها الى ما تحتها ، خوفا وخشوعا ، فسلمت عليهم فردوا عليّ إيماء برؤوسهم ولا ينظرون إليّ من الخشوع ، فقال لهم جبرئيل : هذا محمد نبيّ الرحمة أرسله الله الى العباد رسولا ونبيا ، وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلموه؟ قال : فلما سمعوا ذلك من جبرئيل أقبلوا عليّ بالسلام وأكرموني وبشروني بالخير ليّ ولأمتي» (١)
إذا لتسقط كلّ التبريرات السخيفة التي يحاول بها الإنسان تبرير تنصله من مسئوليات أفعاله في الدنيا ، وليبقى عاريا أمام أعماله ، وآنئذ فقط يصلح عمله وتزكو نفسه.
[٢٩] إن أولئك الذين لهم ميزة في الحياة من عباد الله الصالحين ، إنّما هم مكرمون بعبادتهم لله وخضوعهم لحاكميته المطلقة ، ولو قال أحد منهم بأنّي إله من دون الله للقي مصير الظالمين.
(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)
فلا يمكن إذن أن نتوسل بآلهة أخرى لتنقذنا من عذاب الله ، وهكذا يهدم القرآن فكرة الأصنام التي يتشبث بها الإنسان لكي يبعد نفسه عن المسؤولية ومن ثمّ الجزاء.
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٣ ـ ص ٤١٧.