ونستوحي من الآية ان كل نوع ممكن ومناسب من الدواب قد خلقت ، فهناك الصغير والكبير وما بينهما كثير من الاحجام ، وهناك الطائر والماشي ، والزاحف والهائم فوق البحار والغائص في أعماقها وهكذا ، مما جعل داروين يذهب الى نظريته في أصل الأنواع وتسلسل نشوئها ، والواقع ان انعدام الحلقات التي قيلت بأنها مفقودة في المخلوقات وعظيم تشابهها وكثرة أنواعها جعلت أصحاب نظرية التكامل يذهبون الى ما ذهبوا اليه ، وهذا دليل قدرة الله ، وعظيم تدبيره ، وقد سأل علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قلت له : لم خلق الله سبحانه وتعالى الخلق على أنواع شتى ، ولم يخلقهم نوعا واحدا؟! فقال :
«لئلا يقع في الأوهام انه عاجز ولا يقع صورة في وهم ملحد إلا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل : هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا ، لأنه لا يقول من ذلك شيئا إلا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر إلى أنواع خلقه انّه على كل شيء قدير» (١٥)
فأجابه (ع) : انما فعل ذلك حتى لا يقول أحد لو كان قادرا لكان يخلق كذا وكذا ، ومن كانت هذه قدرته فلما ذا يخلف وعده؟ فليكن عندنا يقين بوعد الله ، حينما نستقيم في سبيله ، وهذا ما يدفعنا للإحسان والإنفاق من أجل الله.
وتستمر الآية في ذكر خلق الله فيقول :
(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)
وهكذا نجد الحياة يكمل بعضها البعض الآخر ، وتحتاج أجزاؤها لبعض ، وهذا
__________________
(١٥) علل الشرائع / ج (١) / ص (١٤).