ثم ان أقرب الناس إلى الإنسان وأمضاهم أثرا في شخصيته وقراراته ـ إذا كان مائعا ضعيف الارادة ـ هي زوجه ، ذلك أن زوجه حينئذ هي التي تصنع شخصيته ، وبالذات إذا تعلق بها قلبه ، وبالزواج ترسم خريطة الحياة المستقبلية للزوجين ، فالزوجة من الناحية النفسية في غالب الأحيان صورة أخرى للزوج بعد فترة من الزواج ، كما أن الزوج في أكثر الأحيان نسخة أخرى لزوجته ولهذا قيل : وراء كل عظيم امرأة ، فالصورة الاخرى الغير مرسومة ظاهرا لاكثر الرجال ، والسطر الغير مقروء في حياتهم هي زوجاتهم.
ولكن رسول الله (ص) كما القيادة الرسالية لا يتأثر أبدا بزوجاته ، بل يضحي بهن في لحظة واحدة لو أمره الله بذلك ، أو تعارض بقاؤه معهن مع أهداف رسالته ، والآية (٢٧) ربما جاءت حينما كان الرسول (ص) متزوجا بتسع زوجات ، فأمره حينئذ بتخييرهن بين البقاء معه وتحمل الأذى والهجرة والفقر ، أو الطلاق بالمعروف والإحسان ، وبالفعل خيّرهن (ص) لان بعضهن كانت تقول : لو يطلقنا رسول الله لوجدنا من يتزوجنا من أهلنا ، ويخرجنا من هذا العيش المشين ، فقبلت إحداهن الطلاق ، فطلقها الرسول ، ولكنها أصبحت ذليلة في قومها ، فقيرة إلى أن ماتت ، مريضة على أسوء حال ، دون ان يتزوجها أحد.
وكان هذا التصرف من الرسول (ص) معقولا ، فالتي تختار الرسول زوجا لها ـ وهو الذي جاء مغيرا للعالم ، وصانعا لأمة حسب وحي الله ، ومؤسسا لتأريخ حضارتها ـ لا بد أن تتحمل الصعوبات وتستوعب طموحاته وممارساته ، وتكيف حياتها بما يتناسب مع كل ذلك.
اذن تتلخص العلاقة بين الفكرتين في محورية رسول الله كقائد رسالي للأمة ، لا يتأثر بالأحداث والظروف الصعبة كالحروب مثل حرب الأحزاب وهي أشدها ، ولا