وقال الماوردى ، من أئمة الشافعية : عندى أن أسفلها دخله خالد بن الوليد رضى الله عنه عنوة ، وأعلاها فتح صلحا.
قال النووى : والصحيح الأول. يعنى أنها فتحت صلحا كلها. وفى صحته نظر ؛ لأن الفتح صلحا إنما يكون بالتزام أهل البلد المفتتحة ترك القتال. والواقع من أهل مكة عند فتحها خلاف ذلك ؛ لأن فى مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه حديثا فى فتح مكة. قال فيه : «ووبّشت قريش أوباشا لها وأتباعا ، فقالوا : نقدم هؤلاء. فإن كان لهم شىء كنا معهم ، وإن أصيبوا أعطينا الذى سئلنا» (١).
__________________
(١) أخرجه مسلم فى صحيحه (١٧٨٠) من طريق شيبان بن فروخ ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا ثابت البنانى ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبى هريرة ، قال : وفدت وفود إلى معاوية وذلك فى رمضان ، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام ، فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله ، فقلت : ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلى ، فأمرت بطعام يصنع ثم لقيت أبا هريرة من العشى ، فقلت : الدعوة عندى الليلة ، فقال : سبقتنى ، قلت: نعم ، فدعوتهم ، فقال أبو هريرة : ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة ، فقال : أقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى قدم مكة ، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين ، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادى ورسول الله صلىاللهعليهوسلم فى كتيبة ، قال : فنظر فرآنى ، فقال أبو هريرة : قلت : لبيك يا رسول الله ، فقال : «لا يأتينى إلا أنصارى ـ زاد غير شيبان فقال ـ اهتف لى بالأنصار» قال : فأطافوا به ووبشت قريش أوباشا لها وأتباعا ، فقالوا : نقدم هؤلاء فإن كان لهم شىء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذى سئلنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى ثم قال : «حتى توافونى بالصفا» قال : فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا ، قال : فجاء أبو سفيان فقال : يا رسول الله أبيحت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم ، ثم قال : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، فقالت : الأنصار بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة فى قريته ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة : وجاء الوحى وكان إذا جاء الوحى لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى ينقضى الوحى ، فلما انقضى الوحى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا معشر الأنصار» قالوا : لبيك يا رسول الله ، قال : «قلتم أما الرجل فأدركته رغبة فى قريته» قالوا : قد كان ذاك ، قال : «كلا إنى عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم والمحيا محياكم والممات مماتكم ، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون : والله ما قلنا الذى قلنا إلا الضن بالله وبرسوله فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» قال : فأقبل الناس إلى دار أبى سفيان وأغلق الناس أبوابهم ، قال : وأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت ، قال : فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه ، قال : وفى يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قوس وهو آخذ بسية القوس ، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه فى عينه ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو.
وأخرجه أحمد بن حنبل فى مسنده (١٠٥٦٥).