كان يدعو لمكثر بعد الخليفة الناصر العباسى ، وقبل صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الديار المصرية والشامية ، وذكر أن مكثرا ممن يعمل غير صالح ، ونال منه بسبب المكس الذى كان يؤخذ من الحجاج بجدّة ، إن لم يسلّموا بعيذاب ، وذكر أن هذا المكس كان سبعة دنانير ونصف دينار مصرية ، يؤخذ ذلك من كل إنسان بعيذاب ، فإن عجز عنه عوقب بأليم العذاب ، وربما اخترع له من أنواع العذاب التعليق بالأنثيين ، وغير ذلك. قال : وكان بجدّة أمثال هذا التنكيل وأضعافه ، لمن لم يؤدّ مكسه بعيذاب ، ووصل اسمه غير معلّم عليه علامة الأداء ، وكان ذلك مدة دولة العبيديين ، فمحا السلطان صلاح الدين هذا الرسم اللعين ، وكان لأمير مكة والمدينة ، وعوّض أمير مكة ألفى دينار ، وألفى أردب قمح ، وإقطاعات بصعيد مصر ، وجهة اليمن.
وذكر ابن جبير أيضا : أنهم لما وصلوا إلى جدّة ، أمسكوا حتى ورد أمر مكثر بأن يضمن الحاج بعضهم بعضا ، ويدخلوا إلى حرم الله تعالى ، فإن ورد المال والطعام اللذان برسمه من قبل صلاح الدين ، وإلا فهو لا يترك ماله عند الحجاج. انتهى.
وكان زوال هذه البدعة القبيحة ، على يد السلطان صلاح الدين ، فى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، على ما ذكر أبو شامة «فى الروضتين فى أخبار الدولتين الصلاحية والنورية».
ووجدت بخط بعض أهل العصر ، مثال كتاب كتبه السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب ، إلى الأمير مكثر هذا ، ينهاه فيه عن الجور ، ونص الكتاب : «بسم الله الرحمن الرحيم ، اعلم أيها الأمير الشريف ، أنه ما أزال نعمة عن أماكنها ، وأبرز الهمم عن مكامنها ، وأثار سهم النوائب عن كنانتها ، كالظلم الذى لا يعفو الله عن فاعله ، والجور الذى لا يفرق فى الإثم بين قائله وقابله ، فإما رهبت ذلك الحرم الشريف ، وأجللت ذلك المقام المنيف ، وإلا قوينا العزائم ، وأطلقنا الشكائم ، وكان الجواب ما تراه لا ما تقرأه ، وغير ذلك ، فإنا نهضنا إلى ثغر مكة المحروسة فى شهر جمادى الأخرى ، طالبين الأولى والأخرى ، فى جيش قد ملأ السهل والجبل ، وكظم على أنفاس الرياح ، فلم يتسلسل بين الأسل ، وذلك لكثرة الجيوش ، وسعادة الجموع ، وقد صارت عوامل الرماح تعطى فى بحار الدر» انتهى.
وتوفى مكثر فى سنة ستمائة ، على ما ذكر ابن محفوظ ، لأنه ذكر أن فى سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وصل حنظلة بن قتادة إلى مكة ، وخرج إلى نخلة ، وأقام بنخلة إلى أن مات فى سنة ستمائة.