وقال زهير بن عباد : وكان فضيل بن عياض ، ووهيب بن الورد ، وعبد الله بن المبارك ، جلوسا ، فذكرو الرطب ، فقال وهيب : قد جاء الرطب ، فقال عبد الله بن المبارك : يرحمك الله ، هذا آخره ، أو لم تأكله؟ قال : لا. قال : ولم؟ قال وهيب : بلغنى أن عامة أجنة مكة من الصوافى والقطائع ، فكرهتها. فقال ابن المبارك : يرحمك الله ، أو ليس قد رخص فى الشراء من السوق ، إذا لم تعرف الصوافى والقطائع منه ، وإلا ضاق على الناس خيرهم ، أو ليس عامة ما يأتى من قمح مصر ، إنما هو من الصوافى والقطائع؟ ولا أحسبك تستغنى عن القمح ، فسهّل عليك. قال : فصعق وهيب ، فقال فضيل لعبد الله : ما صنعت بالرجل؟ فقال ابن المبارك : ما علمت أن كل هذا الخوف قد أعطيه.
فلما أفاق وهيب ، قال : يا ابن المبارك ، دعنى من ترخيصك ، لا جرم لا آكل من القمح إلا كما يأكل المضطر من الميتة. فزعموا أنه نحل جسمه حتى مات هزلا.
وقال حازم الديلمى : قيل لوهيب بن الورد : ألا تشرب من زمزم؟ قال : بأى دلو؟.
وقال شعيب بن حرب : ما احتملوا لأحد ما احتملوا لوهيب ، كان يشرب بدلوه.
وقال ابن المبارك : ما جلست إلى أحد ، كان أنفع لى مجالسة من وهيب.
وكان لا يأكل من الفواكه ، وكان إذا انقضت السنة ، وذهبت الفواكه ، يكشف عن بطنه وينظر إليه ويقول : يا وهيب ، ما أرى بك بأسا ، ما أرى تركك للفواكه ضرك شيئا!.
وقال : كان يقال : الحكمة عشرة أجزاء ، فتسعة منها فى الصمت ، والعاشرة عزلة الناس ، فعالجت نفسى على الصمت ، فلم أجدنى أضبط كما أريد منه ، فرأيت أن هذه الأجزاء العشرة ، عزلة الناس.
وقال ابن أبى رواد : انتهيت إلى رجل ساجد خلف المقام ، فى ليلة باردة مطيرة ، يدعو ويبكى ، فطفت أسبوعا ، ثم عدت ، فوجدته على حاله ، فقعدت قريبا منه الليل كله ، فلما كان جوف الليل ، سمعت هاتفا يقول : يا وهيب بن الورد : ارفع رأسك ، فقد غفر لك ، فلم أر شيئا.
فلما برق الصبح ، رفع رأسه ومضى ، فاتبعته ، قلت : أو ما سمعت الصوت؟ فقال:أى صوت؟ فأخبرته ، فقال : لا تخبر أحدا. فما حدثت به أحدا حتى مات وهيب.
وقال محمد بن يزيد : كانوا يرون الرؤيا لوهيب ، أنه من أهل الجنة ، فإذا أخبر بها