قال الزبير : فأخبرنى عمى مصعب بن عبد الله ، أن مصعب بن عبد الرحمن لما قتله ، خرج حتى أتى أخاه حميد بن عبد الرحمن ، فأخبره خبره ، فأمر حميد بالتّنّور فأوقد ، ثم أمر بثيابه فطرحت فى التّنّور ، ثم ألبسه ثيابا غيرها ، وغدا به معه إلى الصبح. وقال له : إنك ستسمع قائلا يقول : كان من الأمر كيت وكيت ، حتى تراه كان معكم ، فلا يروعنّك ذلك. فأصبح الناس يتحدثون بقتل ابن هبار كأنهم حضروه ، وينظرون إلى مصعب جالسا مع أخيه حميد ، فيكذّبون بذلك.
وكانت أخت إسماعيل بن هبار قد قالت لأخيها حين دعوه : لا تخرج إليهم ، فعصاها. فلما قتل ، أرسلت أخته إلى عبد الله بن الزبير فأخبرته خبرهم ، فركب فى ذلك عبد الله والمنذر ابنا الزبير ، وغيرهما من بنى أسد بن عبد العزى ، إلى معاوية بالشام مرّتين. وقالت فى ذلك أخت إسماعيل بن هبار [من البسيط] :
قل لأبى بكر الساعى بذمته |
|
ومنذر مثل ليث الغابة الضارى |
شدّا فدى لكما أمى وما ولدت |
|
لا يخلصنّ إلى المخزاة والعار |
وقال قائل (٢) [من البسيط] :
فلن أجيب بليل داعيا أبدا |
|
أخشى الغرور كما غرّ ابن هبّار |
قد بات جارهم فى الحشّ منعفرا (٣) |
|
بئس الهدّية لابن العم والجار |
فقال لهم معاوية : احلفوا على واحد من ثلاثة. فأبى ابن الزبير أن يحلفوا إلا على الثلاثة ، فأمرهم معاوية ، فحملوا إلى مكة ، فاستحلف كل واحد منهم خمسين يمينا عن نفسه ، ثم جلد كل رجل منهم مائة ، وسجنهم سنة ، ثم خلّى سبيلهم. فاستعمل بعد ذلك مروان بن الحكم ، مصعب بن عبد الرحمن على شرط المدينة ، وضم إليه رجالا من أهل أبيه ، وكان سلطان مروان قد ضعف ، فلما استعمل مصعب بن عبد الرحمن على شرطه ، اشتد على الناس ، وحبس كل من وجده يخرج بالليل ، فقال فى ذلك عبيد الله ابن قيس الرقيات(٤) [من الخفيف] :
حال دون الهوى ودو |
|
ن سرى الليل مصعب |
وسياط على أل |
|
ف رجال تقلب |
__________________
(٢) البيتان لابن عبيد الله بن قيس الرقيات. انظر ديوانه ١٨٣.
(٣) فى الديوان : باتوا يجرونه فى الحش منجدلا.
(٤) انظر نسب قريش ٨ / ٢٦٨.