واحد منهم ببعض البطيخ ، فضحك منه بطّال على باب النعمان ، فنظر إليه النعمان فقال : أبجليسي؟ احرقا صيلقيه بالشمعة ، فأحرق صيلقاه. قال أبو بكر : الصيلقان ناحيتا العنق ، وأقمت على ذلك أياما في لطف منه وكرامة ، فأتيته يوما كانت ترد عليه فيه النّعم السود ، ولم يكن بأرض العرب بعير أسود إلّا للنعمان ، فإني لجالس إذ سمعت صوتا من خلف قبته يقول (١) :
أنام (٢) أم يسمع ربّ القبّة |
|
يا أوهب الناس لعيس (٣) صلبه |
ضرّابة بالمشفر الأذبّة (٤) |
|
ذات نجاء في يديها جذبه (٥) |
قال أبو بكر : الجذب الطول. قال النعمان : أبو أمامة. أدخلوه. فلما دخل أنشده قصيدته التي على الباء :
ولست بمستبق أخا لا تلمّه |
|
على شعث ، أي الرجال المهذّب (٦) |
وقصيدته التي على العين :
خطا طيف حجن في جبال متينة |
|
تمدّ بها أيد إليك نوازع (٧) |
قال : فأمر له بألف (٨) بعير من الإبل السود فيها رعاؤها ومظالّها وكلابها ، قال : فانصرفت ، وما أدري أكنت له أحسد على جودة شعره أم على ما أصاب من جزيل
__________________
(١) الرجز في الشعر والشعراء ص ٧١ والأغاني ١١ / ٣٨.
(٢) الأغاني : أصم.
(٣) في المصدرين : لعنس.
والعيس : واحدها أعيس والأنثى عيساء ، وهي من الإبل التي تضرب إلى الصفرة أو هي من الإبل البيض مع شقرة يسيرة.
والعنس : الناقة القوية.
(٤) الأذبة جمع قلة لذباب.
(٥) في الأغاني :
ذات هباب في يديها جلبة.
وزيد شطر خامس :
في لا حب كأنه الأطبة
(٦) من قصيدته التي مطلعها ـ ديوانه ص ١٧ ـ :
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني |
|
وتلك التي أهتم منها وأنصب |
(٧) ديوانه ص ٨٢ وفيه «حبال» والبيت من قصيدة مطلعها :
عفا ذو حسى من فرتني فالفوارع |
|
فجنبا أريك فالتلاع الدوافع |
(٨) في روايتي الأغاني : «بمائة بعير» وفي الشعر والشعراء أيضا «مائة بعير».