قال : حدثنا أحمد عن أبي عبيدة ، عن فليح بن سليمان ، عن عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، قال ابن النطاح عن أبي عمر الأنصاري ، وقال أحمد بن عبيد ، عن أبي عمرة الأنصاري ، وقال أبو عبيدة عن عتّاب بن أبي يحيى ، عن يزيد بن بكر بن داب عمن حدثه عن حسان بن ثابت ، قال (١) : خرجت وافدا إلى النعمان بن المنذر ، فلما قدمت بلاده لقيني رجل ، فسألني عن وجهتي (٢) وما أقدمني ، فأخبرته ، فأنزلني عليه ، وإذا هو صانع من أهل تلك البلاد ، فقال لي : ممن الرجل؟ قلت : من أهل الحجاز ، قال : من أي الحجاز؟ قلت : من أهل يثرب ، قال : كن خزرجيا ، قلت : إني من بني الخزرج ، قال : كن نجّاريا ، قلت : إني من بني النّجّار ، قال : كن حسان ، قلت : أنا هو ، قال : قد كنت أحب لقاءك وأنا أصف لك أمر هذا الرجل ، فليس أحد أخبر به مني ، وما ينبغي أن تعرفه من أمره ، ويكون عملك به فيه ، إنك إذا لقيت حاجبه فانتسبت له ، وذكرت مقدمك تركك شهرا لا يردّ عليك شيئا ، ثم يقول لك فيما تلقاه؟ من أنت زعمت؟ فتنسب له فيعرفك وما أقدمك ، ثم يتركك ستا ثم يستأذن لك ، فإذا دخلت على النعمان فستجد عنده قوما يستنشدونك ، فلا تنشد حتى يستنشدك هو ، فإذا أنشدت ثم قطعت فسيزيدك ، وفي نسخة فيستنشدك من عنده ، ويقولون : أنشدنا. فلا تنشدن شيئا حتى يأمرك هو ، فإذا فعلت ذلك فانظر ما ثوابه ، وما يكون منه ، فهذا ما ينبغي أن تعرفه من خبره ، ويكون عملك عليه.
فلقيت الحاجب فوجدت الذي وصف لي صحيحا ، ثم أدخلني على النعمان ، فاستنشدني من عنده ، فلم أنشد حتى استنشدني هو ، فلما أنشدت أعجب بشعري هو والحضور ، وقالوا : زدنا ، وأنشدنا ؛ فلم أجبهم حتى استزادني هو ، فزدت فأكرمني وأجازني. وانصرفت إلى صاحبي فأخبرته ، فقال لي : لا يزال لك هكذا حتى يقدم أبو أمامة ـ يعني النابغة ـ فإذا قدم أبو امامة فلا حظّ لأحد فيه من الشعراء. قال أبو عبد الله بن النطاح : أبو ثمامة ، وقال أحمد بن عبيد : أبو أمامة ، قال حسان : فأقمت على بابه أياما ، ثم دخلت عليه ليلة العشاء ، فأتي ببطيخ ، فأكل منه جلساؤه ، فامتلأ وجه
__________________
(١) عن مختصر ابن منظور وبالأصل : وجهي.
(٢) الخبر بروايتين مختلفتين في الأغاني ١١ / ٢٧ و ١١ / ٣٧ ـ ٣٨ وباختصار في الشعر والشعراء ص ٧١ ـ ٧٢.