فقال له : يا يزيد من الذي يقول فيك :
لا يعبق الطيب كفّيه ومفرقه |
|
ولا يمسّح عينيه من الكحل |
قد عوّد الطير عادات وثقن بها |
|
فهنّ يتبعنه في كل مرتحل |
قال : لا أدري يا أمير المؤمنين ، قال : أفيقال فيك مثل هذا الشعر ولا تعرف قائله؟ فانصرف خجلا ، فقال لحاجبه : من بالباب من الشعراء؟ فقال : مسلم بن الوليد [قال :] ومنذ كم هو مقيم بالباب؟ قال : مذ زمان طويل ، منعته من الوصول إليك لما عرفته من إضاقتك (١) ، قال : ادخله فدخل ، فأنشده :
أجررت حبل خليع في الصبى غزل |
|
وقصّرت (٢) همم العذّال عن عذلي |
رد البكاء على العين الطموح هوى |
|
مفرّق بين توديع ومنتقل |
أما كفى البين أن أرمى بأسهمه |
|
حتى رماني بلحظ الأعين النجل |
مما جنت لي وإن كانت منى صدقت |
|
صبابة بين أثواء ومرتحل (٣) |
حتى ختمها ، فقال للوكيل : بع ضيعتي الفلانية وأعطه نصف ثمنها ، واحتبس نصفا لنفقتنا ، فباعها بمائة ألف درهم ، فأعطي مسلما خمسين ألفا ، ورفع الخبر إلى الرشيد فاستحضر يزيد فسأله عن الحديث فأعلمه الخبر ، فقال : قد أمرت لك بمائتي ألف ، استرجع الضيعة بمائة ألف وتزيد الشاعر خمسين ألفا ، وتحبس خمسين ألفا لنفسك.
قال أبو بكر بن الأنباري : وقال أبي سرق مسلم بن الوليد هذا المعنى من النابغة في قوله (٤) :
إذا ما غزوا بالجيش حلّق فوقهم |
|
عصائب طير تتّقى بعصائب (٥) |
حوائج قد أيقن أن قبيله |
|
إذا ما التقى الصفان أول غالب (٦) |
__________________
(١) يريد أنه ضاق عليه عيشه ، وهو ما يتضح من تمام عبارة الأغاني : وأنه ليس في يديك شيء تعطيه إيّاه.
(٢) الأغاني : وشمرت.
(٣) عجزه في الأغاني :
صبابة خلس التسليم بالمقل
(٤) الأبيات في ديوان النابغة الذبياني ط دار الفكر ص ٥٧ وط صادر ص ١٠.
(٥) في الديوان بروايتيه : «تهتدي بعصائب» وفي ط دار الفكر :
إذا ما غزا بالجيش أبصرت فوقهم
(٦) في روايتي الديوان : جوانح ... التقى الجمعان.