قال : وأنا محمّد بن سعد (١) ، أنا هوذة بن خليفة ، نا عوف قال : بلغني أن ابن عباس قال لما دفن زيد بن ثابت : هكذا يذهب العلم ـ وأشار إلى قبره ـ يموت الرجل الذي يعلم الشيء لا يعلمه غيره ، فيذهب ما كان معه.
أخبرنا أبو القاسم الحسيني ، أنبأ أبو الحسن المقرئ ، أنا أبو محمّد المصري ، أنا أحمد بن مروان ، نا محمّد بن عبد الرحمن مولى بني هاشم ، نا إبراهيم بن المنذر ، عن ابن فليح ، قال : قال الزهري لما دلي زيد بن ثابت في قبره ، قال ابن عباس : من سرّه أن يرى كيف يذهب العلم ، فهكذا ذهاب العلم.
أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد ، أنا محمّد بن عمر ، حدثني إسماعيل بن مصعب ، عن إبراهيم بن يحيى ، عن خارجة بن زيد قال : توفي أبي زيد بن ثابت قبل أن تصفر الشمس ، فكان رأى دفنه قبل أن أصبح ، فجاءت الأنصار فقالت : لا يدفن إلّا نهارا يجتمع له الناس ، فسمع مروان الأصوات ، فأقبل يمشي حتى دخل علي ، فقال غريمه : متى أن يدفن حتى يصبح ، فلما أصبحنا غسلناه ثلاثا : الأولى بالماء ، والثانية بالماء والسّدر ، والثالثة بالماء والكافور ، وكفنّاه في ثلاثة أثواب : أحدها برد كان كساه إياه معاوية ، وصلينا عليه بعد طلوع الشمس ، صلى عليه مروان بن الحكم ، وأرسل مروان بجزر (٢) فنحرت ، وأطعمنا الناس ، وغلبنا النساء ، فبكين ثلاثا.
قال : وأنا محمّد بن عمر ، أنا عبد الرّحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : نزل نساء العوالي (٣) وجاء نساء البلد من الأنصار ، فجعل خارجة يذكرهن الله ويقول : لا تبكين عليه ، فقلن : لا نسمع كلامك في هذا ، ولنبكين عليه ثلاثا ، قلنا : فغلبنه (٤) فبكين عليه ثلاثا. قال : وأطعموا.
قال محمّد بن عمر : ومات زيد بن ثابت بالمدينة سنة خمس وأربعين وهو ابن ستّ وخمسين سنة ، وصلى عليه مروان بن الحكم.
__________________
(١) المصدر نفسه.
(٢) جزر بضمتين جمع جزور.
(٣) العوالي : موضع بينه وبين المدينة أربعة أميال ، جمع عالية (انظر معجم البلدان).
(٤) بالأصل : لا يبكين عليه ... وليبكين عليه ... فغلبته» والصواب عن سير الأعلام ٢ / ٤٤٠.