الثياب ومنها ما يسمى بالعرف بالبيرو (مكتب) وهو عبارة عن أربعة دروج كبيرة فوقها درجان صغيران ويصنع منه إطار للمرآة ، وإطارات للصور ومناضد ، وجميع ما يصنع من الخشب البسيط. ومنذ خمسين أو ستين سنة كثر طلب هذا الصنف إلى أوربا. ولكن الحكومة والبلدية لم تأخذا تلك الصناعة تحت رعايتهما فكثر الغش فيها ، وصارت إلى البوار وانقطع عنها الطلب إلى الخارج بتاتا ، وهي لا تروج الآن إلا في دمشق وضواحيها تقريبا ، ولو عنيت البلدية بمراقبة صناعها ، وجعلت لهم رئيسا مسؤولا لدرت تلك الصناعة على دمشق أرباحا هائلة ولأصبحت أجرة الصانع يوميا نصف دينار وراجت في أقطار العالم أجمع لجمالها ودقة صنعها.
ومن أهم معامل النجارة والفرش معامل الياس جرجي السيوفي في بيروت زرتها في سنة (١٣٣٠ ه ١٩١٢ م) ومما قلته فيها : رأيت صورة مصغرة من صورة الغرب في الشرق ، وتمثل لي فضل الذكاء العربي ، وأنه وإن لم يفق الغربي فليس دونه ، وأن يد أبنائنا صناع في الأعمال لا يفوقها ابن فرنسا وإيطاليا وإنكلترا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا إلا بأن الإفرنج يرجعون إلى أساليب في العمل تنقصنا ، أو تكاد في أكثر الأصقاع لا تجد لها أثرا بيننا ، وهي ترجع إلى أسباب رئيسة مهمة ، أولها الصبر على العمل ، وثانيها تجويد العمل ، وثالثها القدر اللازم للعمل من المال والمعرفة ، ورابعها الاقتصاد في الوقت والأيدي العاملة ، وخامسها تنشيط الأهلين والحكومات للمصنوعات الوطنية وحماية التجارة الداخلية بقوانين تنفذ على الصادر والوارد ، وسادسها وجود المواد الأولية التي يمكن بها الاستغناء عن المواد الخارجية في الجملة.
دلت معامل السيوفي على أن الشرقي بمفرده أمة ، وأن الأمة بمجموعها ضعيفة ، بمعنى أن الشرقي يعمل مفردا أحسن من عمله مجتمعا ، وذلك لفقد التربية المشتركة بين المشارقة يرجعون إليها وتضم عراهم. فلو كان معمل الغزل في دمشق لفرد واحد منذ إنشائه له خيره وعليه شره ، لما اضمحل هذا الاضمحلال الذي نراه عليه ، ولو كانت معامل السيوفي في بيروت لشركة لما رأينا فيها هذا النظام والنجاح ، وبذلك صح لنا إثبات ما قدمناه من أن الشرقي أمة بمفرده والأمة ضعيفة بمجموعها ، وأن لا سبيل إلى قيام الأعمال الكبرى