أن ابن الشمال يهزأ بابن الجنوب على حين كلهم سواء في مناحيهم ومنازعهم ، بل إن أهل شمالي فرنسا لا يعنون بغير صناعاتهم وتجاراتهم على الأكثر ويقلّ فيهم السياسيون والشعراء الأدباء وهم كثار جدا في أهل الجنوب كثرة فاضت عن الحاجة.
فيا حبذا اليوم الذي يشترك فيه قاصينا ودانينا ، فقيرنا وغنينا ، في إقامة الشركات على أنواعها ، إحياء لصناعاتنا واستبقاء للبقية التي صبرت على الأيام من ثروتنا. فالزراعة عشر الثروة العامة في العادة ، والباقي من أسباب السعادة والنماء ثمرة الأعمال الصناعية. وما السكك الحديدية والبواخر والسيارات والقصور والمصانع الفخمة وكل ما في المدنية من ضروب الراحة والرفاهية مما يلذ وينفع ، إلا نتيجة عمل العملة في المعامل ، وكل ما نشاهده وندهش به من أنواع الصناعات في أميركا وأوربا وفي اليابان والصين والهند هو ثمرة التعاون والعلم العملي. ولذلك ساغ لنا أن نقول : إن كل ما يدفعنا ولو خطوة واحدة إلى الأمام لنقترب بسفينتنا الفقيرة من ساحل السلامة يستحق ثناء الأمة جمعاء ولا رجاء لنا في الحصول على الحاجيات ثم التطلع إلى الكماليات ، إلا بتأليف شركات صغيرة بادئ بدء تقوم برؤوس أموال وطنية ، وتستعمل من الأدوات الجديدة ما لا غنية عنه ، تنمو بنمونا في مظاهر الحياة والانبعاث. فنحن لا نقل عن الغربي ذكاء ونشاطا وإنما ينقصنا التنظيم والتدريب. وفي أرجائنا أكثر المواد الأولية اللازمة في الصناعات لا تحتاج إلا إلى معرفة قليلة للانتفاع بها والله الموفق والملهم.