وقد اكتشف أمير روسي في سنة (١٨٨٢) كتابة رسمية كتبت بالتدمرية واليونانية يرتقي عهدها إلى سنة (١٣٧) للمسيح فهمت منها أحوال التجارة القديمة ومضمونها تعريف جمركي مطول أصدره مجلس شيوخ تدمر حسما لفتن وقعت بين التجار وعمال الخزانة ، وفيها بيان ما يضرب من المكوس على البضائع والمعاملات التجارية إجمالا وإفرادا وهي باهظة فكان كل حمل جمل أو حمار يرد أو يصدر تضرب عليه أولا ثلاثة دنانير رومانية (وكان الدينار الروماني يساوي نحوا من ٧٢ سنتيما) ثم فريضة أخرى تختلف باختلاف جنس البضائع. والبضائع التي ورد ذكرها في هذه الجريدة كثيرة فمنها الرقيق والجزر والأرجوانية والزيوت العطرية المجعولة في قماقم من الرخام الأبيض أو في ظروف من جلد المعز ، ثم ريت الزيتون والشحم والملوحات المتنوعة والجلود والثياب والأنسجة والغلال المختلفة والأفاويه والأثمار اليابسة كحب الصنوبر والجوز واللوز والعقاقير والملح إلى غير ذلك. وينقسم كل حمل إلى ثلاثة أقسام حمل الحمار وحمل الجمل وحمل العجلة ، وكان ثقل الأول نحو مئة كيلو والثاني أثقل منه بثلاثة أضعاف والثالث يبلغ نحو ألف كيلو. قال دي فوكيه : وكانت القوافل التي تحمل إلى تدمر خيرات المشرق تستخدم من الدواب الإبل والحمير وإذا وصل التجار إلى حاضرة زينب (تدمر) أنزلوا عن ظهر الدواب الجوالق والأثقال المختلفة وحملوها على العجلات ليوصلوها إلى جميع أنحاء المملكة على السكك والشوارع الرومانية ، فإذا بحثت عن أسباب تقدم تدمر وبلوغها ذروة العمران وجدت لذلك سببين : الأول مرور البضائع بها وإقامتها فيها مدة ودفع المكوس إلى خزانة المدينة ، والثاني شهرة أهالي تدمر دون سواهم بقيادة القوافل في المفاوز والصحاري ، فلذلك صارت هذه الحاضرة في القرن الثاني للمسيح أشبه بمرفإ عظيم على بحر البراري ترسو عند ساحلها تجارة الأمم فتغني خزائنها كما جرى في القرون الوسطى لمدينة البندقية سلطانة بحر الروم. وقد اكتشف علماء العاديات عمودين نصبا للدلالة على مسافة الطريق ميلا ميلا عليها اسم زينب واسم ابنها وهبلات. وأول هذين العمودين قريب الجبيل والجسر الواقع على وادي العذار والثاني برج الريحان شمالي الجبيل.
وكانت الشام أهم محال الحرير ولا سيما صور وبيروت ، والشام من