أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية. وذكر پروكوب عند كلامه على أنطاكية أنها أول مدينة رومانية مهمة في الشرق لغناها واتساعها ووفرة نفوسها وجمالها وعادياتها. وتعجب أنطونين الشهيد من الترف الذي كان على أتمه في أنطاكية ومن عظمة أفامية وبيروت وغزة. وقد اضمحل ذلك على عهد يوستنيانوس لأنه أرد أن يضع سعرا وسطا للحرير فهلك تجاره وصانعوه وخربت معامله. ويرد تاريخ زراعة الحرير إلى القرن الأول للحكم اليوناني على الشام ولا سيما في ضواحي بيروت. قال هيد بعد أن ذكر ذلك : وقد حدا حب الربح تجارا مسيحيين على أن يبيعوا أبناء دينهم بيع الرقيق لغرب اسبانيا وإفريقية والشام ، فاتخذ شارلمان والبابا زكريا وأدريانوس الأول الأسباب لمنع ذلك.
وقد وجدت في غاليا وغيرها من المدن التجارية في الغرب كتابات فيها أسماء الشاميين الذين كانوا يسكنونها للتجارة منذ الزمن الأطول ، ومنها ما وجد في جناي على مقربة من مدينة تريفو ذكر فيها شامي اسمه تيم من قرية عتيل من أهل مدينة قنوات في جبل حوران كان يتجر مع غاليا بما يحمله إليه مواطنوه إلى أرل على سفنهم ومنها إلى ليون فما فوقها من مدن فرنسا.
ولم يكن تجار الغرب يهتمون بالسفر إلى الساحل الشامي لأخذ البضائع اللازمة لهم ، بل يحمل الشاميون أنفسهم بنشاطهم المعهود تلك البضائع ، مع أن حاصلات آسيا كانت مما يلفت نظر الغربيين. واشتهر خمر غزة في فرنسا على عهد الملك كونتران في القرن السادس للميلاد ، وحرير الشرق وأحجاره الكريمة تتألف منها زينة العظماء والسادات. قال هيد : إن الشاميين كانوا يرحلون إلى فرنسا على عهد حكومة الميروفنجيين ونزلوا في جنوبي فرنسا مثل ناربون وبوردو بل في أواسطها مثل أورليان وتور وكانت تحمل إلى فرنسا أكياس الأدم من فلسطين. والظاهر أن الشام كان يفوق غيره بأعماله الصناعية والتجارية ، وصلات الشاميين محكمة مع الشرق والغرب ، وكانت بلادهم على عهد الروم محط رحال قوافل الخليج العربي والخليج الفارسي وأواسط آسيا وهي أهم ولاية تجارية للروم. وفي الحق أن صلاتنا بالغرب زادت لما توطدت أقدام النصرانية في أوربا ، وأصبح زوار بيت المقدس يأتون إلى فلسطين أفواجا أفواجا ويحملون معهم شيئا من تجارتهم ويأخذون ما عندنا مما يروج في أسواقهم.