سبعين راكبا من قبائل قريش كلهم كانوا تجارا بالشام. وكانت تجارة أبي سفيان بيع الزبيب والأدم كما كان الصديق وعثمان وطلحة بزازين. وخافت قريش لما أسلموا من انقطاع السفر إلى الشام للتجارات لمخالفتهم أهل الشام بالإسلام فقال عليه الصلاة والسلام : «إذا هلك قيصر فلا قيصر ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده» معناه لا قيصر ولا كسرى بعدهما في الشام والعراق ، ولا ضرر عليكم ، فقويت نفوس العرب على الاتجار مع هذين القطرين وكانوا من قبل يملكون المزارع في الشام ويقيمون وينعمون.
واتجر الرسول في الجاهلية وكذلك بعض أصحابه كأبي بكر وعمر وعثمان ، ولما رفرف علم الإسلام على الشام اتسعت الدنيا على الصحابة حتى إن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد الثمانية الذين سبقوا الخلق إلى الإسلام كان تاجرا كثير الأموال بعد أن كان فقيرا ، باع مرة أرضا له بأربعين ألف دينار فتصدق بها كلها وتصدق مرة بسبعمائة جمل بأحمالها قدمت من الشام ، وأعان في سبيل الله بخمسمائة فرس عربية ، وكان الزبير بن العوام ابن عمة النبي صلىاللهعليهوسلم وأحد العشرة كثير المتاجر والأموال قيل : كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فربما تصدق بذلك في مجلسه ، وقد خلف أملاكا بيعت بنحو أربعين ألف ألف درهم وهذا لم يسمع بمثله قط ـ قاله الذهبي.
وكانت مراكب صور وطرابلس تقلع من هاتين الفرضتين بالتجارة إلى سواحل خليج القسطنطينية (بحر إيجه) وخليج البنادقة (الأدرياتيك) وبحر بنطس (الأسود) وجزائر قبرس ورودس واقريطش ، وكل ما قام به خلفاء المسلمين ووزراؤهم لتسهيل الحج على المسلمين من إنشاء الطرق وإنباط المياه على طول الطريق إلى أم القرى ، وإقامة معالم الأمن والراحة فيها للحجاج قد أفاد التجارة.
وكانوا قسموا أرض الشام إلى مراحل وبرد وفراسخ وعنوا بالأمن من وراء الغاية حتى يتجر الناس. وكانت طريق القوافل إلى مصر على الكرك أو على غزة ورفح. قال ريسون : وكانت دمشق مدينة الصناعة الجميلة (٤ ـ ١٦)