سنة ، ونزل الطلبة في المدارس : المدرسة الخسروية والمدرسة العثمانية والشعبانية والقرناصية والإسماعيلية ، وربطت لهم رواتب تعاونهم بعض الشيء على ما هم بسبيله ، يتقاضونها من أوقاف تلك المدارس ويقرأ الطلبة اليوم على أساتذة تلك المدينة على نظام في الجملة ويرجى أن يكون منهم علماء دينيون ومتأدبون.
أما علماء الدين عند المسيحيين والإسرائيليين فأخذوا يتعلمون في مدارس لهم نظامية في روسيا أو إيطاليا أو أميركا وغيرها فلا يرقى في الأغلب إلى الرئاسة الدينية عندهم إلا من توفرت فيه شروط العلم والنباهة ، ويكون على الأغلب بانتخاب أقرانه ، ولذلك جاء البون شاسعا بين عقلية علماء الدين من المسلمين وعقلية غيرهم من أرباب الأديان ، وغدا أرباب الإنصاف يقولون بالرئاسة الدينية في الإسلام على النحو الذي هي في النصرانية ، لأنه ثبتت فوائدها في تثقيف العامة وجمع كلمة الخاصة ، ولأن الحكومات ليس من شأنها أن تعلم إلا البسائط العامة المشتركة ، والأمور الأخرى من شأن زعمائها الذين تعتقد فيهم صلاحها. ومن أغرب الحالات أن مدارس الحكومة في جميع المقاطعات الشامية لا يتعلم فيها غير المسلمين ، أما سائر الطوائف فلا يعتمدون في تعليم أبنائهم على غير مدارسهم أو على مدارس المبشرين. وبهذه الطرق المختلفة في مناحي التربية يستحيل أن يجتمع أبناء الوطن على مقصد واحد ، لأن كل فرد يتعلم النفرة من مخالفه في معتقده ، وخصوصا في مدارس بعض الرهبنات التي تهزأ بالإسلام والعرب ، وتحرّف التاريخ الصحيح ولا تعلم منه إلا ما ينطبق مع رغائبها ، ولا يفيد شيئا في تكوين الوطنية والقومية ، ولو اتحدت التربية واشترك جميع أبناء الشام في التناغي بها والاعتماد عليها ، لا تلبث هذه الأمة خمسين سنة أن تخرج سماؤها سلسلة طويلة من الرجال يرفعون مستوى العقل فيها ، ارتفاعه عند أمم الحضارة في الغرب ، ويؤثرون فيها كما أثر أجدادنا في مجموع الحضارات الحديثة. وعندنا أن لا نهضة في الأخلاق والعلم والشؤون الاقتصادية والاجتماعية إلا إذا تعلم المسلمون تعليما صحيحا ، لأنهم ستة أسباع السكان ، والثروة الثابتة ملكهم ، وهذا لا يتم إلا إذا تعلم أبناء غير المسلمين مع أبناء المسلمين تعليما وطنيا واحدا.