عني ديني ، فإني إنما أخذته عليك وابسط أملي بإعطاء يومك ، ودعني وعدا فإنك غدا خير منك اليوم ، كما أنك اليوم خير منك أمس ، ثم قال :
يوماك يوم يفيض نائله |
|
وخير يوميك ما بقيت غدا |
ولا يمنعك من قضاء حاجتنا ، وصلة أرحامنا حاجتنا إليك ، وغناك عنا ، فإنه ليس كل حاجة تتم ولا كل غنى يدوم ، وقد عودتنا من نفسك عادة صارت لنا عليك فريضة ، إن تقف بنا عندها رضينا بها ، وإن زدتنا عليها حملنا زيادتها ، ونحن وأنت كما قال الأعشى لقيس بن النّمر :
عوّدت كندة عادة فاصبر لها |
|
اغفر لجاهلها وروّ سجالها (١) |
واعلم أنك لا تقضي لنا حاجة إلّا قضينا لك مثلها ، ولا تقبض عنا يدك فو الله إنه لتجيء منك الفلتة من الحرمان ، فكأنما جاءت من غيرك يشك فيها الشاهد ، ويكذّب فيها الغائب ، ويطلب لها أهل الرأي المخرج لك منها حتى ييأسوا لك من العذر ما يجوّز الحرمان ، وكذلك بحظّك الغالب وقدرك الجالب ، فقال معاوية : حسبك ، فما يتسع بيت مالي لمكافأتك ، والله ما في قريش رجل أحبّ أن يكون ابن هند منك ، ولكني إذا ذكرت مكانك من عليّ ومكان عليّ منك انقبضت عنك ، ثم أذكر أنّي لا أقيس بك رجلا من قريش إلّا عظمت عنه ، ولا أزنك إلّا رجحت به ، فعطفت عليك ، فالغالب على ذلك الأوليان بك مني ، وسيلة لا أحب دالتها وأثرة لا أستكثر عطيتها ، وأمّا ما عودتكم فقولكم (٢) ما كنتم لي ، وأما أن تقضي من حقّي ما أقضي من حقك فإنّي لا أكون على حال إلّا وفي يديك شيء (٣) أكثر ما في يدي منك ، وأما البخل فكيف أبخل بمال إنما يغيب (٤) عني أربعة أشهر حتى يرجع إلى بيت مالي فقد اعتقدت به المنن وما أحسبه إلّا لأعطيه وما أجمعه لأمنعه ، ولأنا بإعطائه أشدّ سرورا منكم بأخذه ، وقد قدمت عليّ وقد خلّفت الحقوق في المال ، ولك عودة ، والدهر بيني وبينك أطرق مشتت ، فلا تضربن
__________________
(١) البيت للأعشى ديوانه ط بيروت ص ١٥٢ من قصيدة يمدح قيس بن معدي كرب ، وبالأصل وم : «رق سجالها» والمثبت عن الديوان.
(٢) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : فهو لكم.
(٣) في م : مني.
(٤) بالأصل : «فغيب» وفي م : «تغيب» والمثبت يوافق عبارة المطبوعة.