عبد المطّلب خارجا من الدار فقال : مهيم يا حرب؟ فقال : آتيك ، قال : ادخل الدار ، فدخل ، فأكفأ عليه جفنة هاشم التي كان يهشم فيها الثريد ، وتلاحق بنو عبد المطّلب بعضهم على أثر بعض ، فلم يجترئوا أن يدخلوا دار أبيهم ، فاحتبوا بحمائل سيوفهم وجلسوا على الباب ، فخرج إليهم عبد المطّلب ، فلما نظر إليهم سرّه ما رأى منهم ، فقال : يا بنيّ أصبحتم أسود العرب ، ثم دخل إلى حرب ، فقال له : قم فاخرج ، فقال : يا أبا الحارث هربت من واحد وأخرج إلى عشرة؟ فقال : خذ ردائي هذا فالبسه ، فإنهم إذا رأوا ردائي عليك لم يهيجوك ، فلبس رداءه وخرج ، فرفعوا رءوسهم فلما نظروا إلى الرداء عليه نكسوا رءوسهم ، ومضى حرب. فهو قول إنّ أشرف من حرب من أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه.
قال القاضي : قول التميمي جار الزبير في أول بيته الثاني من كلمته : «قف لا تصاعد» بعد قوله في أخر بيته الأول : «والصبح أبلج ضوؤه الساري» معناه فقال : قف ، فأضمر القول وحذف القول ، وإضماره كثير في كلام العرب ، قال الله جل ثناؤه : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ)(١) المعنى يقولون : سلام عليكم ، وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)(٢) وهو كثير في القرآن ، وسائر العربية ومن ذلك قول الشاعر :
ما للجفاني (٣) تخطّاني كأنهم |
|
لم يلف حول ذرى بيتي مساكين |
أراد كأنهم يقولون ، وقال آخر :
وقائلة : ما بال لونك شاحبا |
|
كأنك يحميك الطعام طبيب |
تتابع (٤) أحداث تخرّمن منتي |
|
وأيلين جسمي فالفؤاد كئيب (٥) |
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية : ٢٣ ـ ٢٤.
(٢) سورة الزمر ، الآية : ٣.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي الجليس الصالح : «ما للجفان» والجفان ـ بدون ياء ـ جمع جفنة ، وهو الرجل الكريم.
(٤) كذا بالأصل وم والجليس الصالح ، وفي المطبوعة : نتتايع.
(٥) البيتان من قصيدة لكعب بن سعد الغنوي يرثي فيها أخاه أبا المغوار (أمالي القالي ٢ / ١٤٨) وفي الأصمعيات نسبت لعزيفة بن مسافع العبسي.