كان مني في ذاك فليفعل ، قال : قد فعلت ، قال : ثم رجع إلى المدينة ، فلما ولّي أبو جعفر ألحّ في طلب محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن وتغيبا (١) بالبادية ، وأمر أبو جعفر زياد بن عبيد الله (٢) الحارثي يطلبهما ، فكان يغيب (٣) في ذلك ولا يجدّ في طلبهما فعزله أبو جعفر عن المدينة ، وولاها محمّد بن خالد بن عبد الله القسري ، وأمره بطلبهما ، فعتب (٤) أيضا في ذلك فلم يبالغ وكان يعلم مكانهما ، فيرسل الخيل في طلبهما إلى مكان آخر ، وبلغ ذلك أبا جعفر فغضب عليه ، فعزله وولّى رباح بن عثمان بن حيّان المرّي (٥) وأمره بالجدّ في طلبهما ، وقلة الغفلة عنهما.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء ، وأبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالوا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكار ، قال : وحدّثني أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن حرب ، قال :
قال عبد الله بن حسن بن حسن لابنه محمّد بن عبد الله بن حسن حين أراد الاختفاء من أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور : يا بني إني مؤد إلى الله حقه عليّ في نصيحتك ، فأدّ إلى الله حقه عليك في الاستماع والقبول ، يا بنيّ كفّ الأذى ، وأفض الندى ، واستعن على السّلامة بطول الصّمت في المواطن التي تدعوك نفسك إلى الكلام فيها ، فإن الصّمت حسن على كلّ حال ، وللمرء ساعات يضر فيهن خطؤه ولا ينفع صوابه ، واعلم أن من أعظم الخطأ العجلة قبل الإمكان ، والأناة بعد الفرصة ، يا بني احذر الجاهل وإن كان لك ناصحا ، كما تحذر العاقل إذا كان لك عدوا ، فيوشك الجاهل أن يورطك بمشورته في بعض اغترارك ، فيسبق إليك مكر العاقل ، وإيّاك ومعاداة الرجال ، فإنها لا تعدم مكر حليم ، أو مبادأة جاهل.
أخبرنا أبو منصور بن زريق ، وأبو النجم الشّيحي ، قالا : أنا وأبو الحسن بن سعيد ، نا أبو بكر الخطيب (٦) ، أنا علي بن المحسّن التنوخي ، قال : وجدت في كتاب
__________________
(١) في المطبوعة : وتغبّيا.
(٢) في م : عبد الله.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : يغبّب.
(٤) كذا بالأصل ، وفي م : فغبّب.
(٥) تقرأ بالأصل وم : «حبان المزي» والمثبت عن تاريخ الطبري ٧ / ٥١٧.
(٦) تاريخ بغداد ٩ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣.