صغيرين فأحبها وأحبته ، فكان لا يصبر عنها حتى إذا بلغت حجبت عنه فطال بهما البلاء ، فحج الوليد بن عبد الملك فبلغه جمال أم البنين وأدبها فتزوجها ونقلها معه إلى الشام ، فجعل يطيف بقصر الوليد بن عبد الملك في كل يوم لا يجد حيلة حتى رأى يوما جارية صفراء (١) ، فلم يزل حتى تأنّس بها. فقال لها : هل تعرفين أم البنين؟ قالت : إنّك تسأل عن مولاتي ، فقال : إنها لابنة عمي ، وانها لتسرّ لموضعي لو أخبرتيها ، قالت : إنّي أخبرها ، فمضت الجارية ، فأخبرت أم البنين ، فقالت : ويلك أو حي هو؟ قالت : نعم ، قالت : قولي له كن مكانك حتى يأتيك رسولي ، فلن أدع الاحتيال لك ، فاحتالت أن أدخلته إليها في صندوق. فمكث عندها حينا حتى إذا أمنت أخرجته فقعد معها ، وإذا خافت عين رقيب أدخلته الصندوق ، فأهدي يوما للوليد بن عبد الملك جوهر. فقال لبعض خدمه : خذ هذا الجوهر فامضي (٢) به إلى أم البنين وقل لها : أهدي هذا إلى أمير المؤمنين فوجّه به إليك ، فدخل الخادم من غير استئذان ووضّاح معها ، فلمحه ، ولم تشعر أم البنين ، فبادر إلى الصندوق فدخله فأدّى الخادم الرسالة إليها وقال : هبي لي من هذا الجوهر حجرا ، فقالت : لا أمّ لك ، وما تصنع أنت بهذا؟ فخرج وهو عليها حنق ، فجاء الوليد فخبره الخبر ، ووصف له الصندوق الذي رآه دخله ، فقال له : كذبت لا أم لك ، ثم نهض الوليد مسرعا فدخل عليها وهي في ذلك البيت. وفيه صناديق عداد ، فجاء حتى جلس على ذلك الصّندوق الذي وصف له الخادم ، فقال لها : يا أم البنين ، هبي لي صندوقا من صناديقك هذه ، فقالت : يا أمير المؤمنين هي وأنا لك ، فقال : ما أريد غير هذا الذي تحتي ، قالت : يا أمير المؤمنين ، إنّ فيه شيئا من أمور النساء ، قال : ما أريد غيره ، فقالت : هو لك ، فأمر به فحمل ، ودعا بغلامين فأمرهما بحفر بئر حتى إذا حفرا فبلغ الماء وضع فمه على الصندوق وقال : يا أيها الصندوق قد بلغنا عنك شيء ، فإن كان حقا فقد دفنا خبرك ، ودرسنا أثرك ، وإن كان كذبا فما علينا في دفن صندوق من خشب حرج ، ثم أمر به فألقي في الحفرة ، وأمر بالخادفم فقذف في ذلك المكان فوقه وطمّ عليهما (٣) جميعا التراب ، فكانت أم البنين توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : «صغيرا» وكتب محققه بحاشيتها : «كذا في النسخ كلها ، ولعلها : صفراء أي سوداء» وهذا وهم منه لأنه جاءت بالأصل هنا وفي م «صفراء» كما ذكرت.
(٢) كذا بالأصل وم «فامضي» بإثبات الياء وهو خطأ ، والصواب : فامض.
(٣) عن م وبالأصل : عليها.