كلها مالك يا أمير المؤمنين ، قال : لا أريد إلّا واحدا ، ولك عليّ أن أعطيك زنته وزنة ما فيه ذهبا ، قالت : فخذ ما شئت ، قال : هذا الذي تحتي ، قالت : يا أمير المؤمنين عدّ عن هذا وخذ غيره ، فإنّ لي فيه شيئا يقع لمحبتي ، قال : ما أريد غيره ، قالت : هو لك ، قال : فأخذه ودعا الفراشين فحملوا الصندوق فمضى به إلى مجلسه فجلس ولم يفتحه ولم ينظر ما فيه ، فلما جنّه الليل دعا غلاما له أعجميا فقال له : استأجر أجراء غرباء ليسوا من أهل المصر ، قال : فجاءه بهم فحفروا له حفيرة (١) في مجلسه حتى بلغوا الماء ، ثم قال : قدموا الصندوق فألقي في الحفيرة ، ثم وضع فيه ووقف على شفيره ، فقال : يا هذا قد بلغنا عنك خبر ، فإن يك حقا فقد قطعنا أثره ، وإن يك باطلا فإنّما دفنّا خشبا ، ثم أهالوا عليه التراب ، حتى استوى ، قال : فلم ير وضّاح اليمن حتى السّاعة ، قال : فلا والله ما بان لها في وجهه ولا في خلائفه ، ولا في شيء حتى فرّق الموت بينهما.
قال المعافى : في هذا الخبر : فلما جنّه الليل ، والفصيح من كلام العرب : جنّ عليه الليل ، وأجنه الليل ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً)(٢) وفيه لغة أخرى وهو جنّه كما جاء في هذا الخبر ، وقد روي عن بعض الماضين من القراء (جَنَّةُ الْمَأْوى)(٣) وهذا وجه شاذ في القراءة واللغة ، وفي هذا الخبر أيضا وجه من اللغة ليس بالظاهر السّائر وهو قوله : ثم أهالوا عليه التراب ، واللغة الفاشية الصحيحة : هلت عليه التراب أهيله ، قال الله تعالى : (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً)(٤).
قرأت على أبي القاسم زاهر بن طاهر ، عن أبي بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا نصر الخفّاف وهو محمد بن أحمد بن عمر يقول : سمعت أبا عبد الرّحمن محمد بن المنذر الهروي يقول : سمعت أبا سالم (٥) سهل بن محمد السّجستاني يقول : لما أنشد المأمون قول وضّاح اليماني (٦) :
__________________
(١) في الجليس الصالح : حفرة.
(٢) سورة الأنعام ، الآية : ٧٦.
(٣) سورة النجم ، الآية : ١٥.
(٤) سورة المزمل ، الآية : ١٤.
(٥) كذا بالأصل ، وفي م : «أبا همام» وفي المطبوعة : «أبا حاتم» وهو الصواب ، وانظر ترجمته في تهذيب الكمال ٨ / ١٧٨.
(٦) انظر الأبيات في الأغاني ٦ / ٢١٦ وفوات الوفيات ٢ / ٢٧٢ في الأغاني : يا روض ... ولا صابر.