(كنج) ، بوساطة سفينتين كبيرتين من سفن (البغلة) على متن كل واحدة منهما طاقم مكوّن من حوالي مائتي رجل. وبعد معركة قصيرة ولكنها حاسمة ، تم اقتياد السفينة وعندئذ بدأ العرب بقتل الناجين منها. إلا أن هذه العملية توقفت لحسن الحظ عند ظهور سفينة صاحب الجلالة (نيريد) التي أطلق قبطانها النار على السفينتين بعد أن رأى ما جرى ، وأغرقها بمن فيها. أما الحادثة الأخرى ـ وهي حالة من بين العديد من الحالات الموجودة أمامي ـ فتشير في تفاصيلها إلى صورة أكثر فظاعة ونفورا للهمجية المتوحشة.
فقد كانت السفينة التجارية (منيرفا) تتقدم باتجاه (بوشهر) عند ما صادفت أسطولا كبيرا في نفس البقعة تقريبا. وبعد معركة مستمرة استغرقت يومين اقتيدت هي الأخرى ، كما هي العادة ، بالصعود على ظهرها. وحاول القبطان (هو بكود) الذي أدرك المصير القاسي الذي ينتظره أن ينسف السفينة لكنه أخفق لسوء الحظ ، وهنا بدأ ذبح الضحايا. كان أول ما فعله القراصنة هو تنظيف السفينة بالماء والعطور ولما فرغوا من ذلك تم ربط الأفراد وقدموا الواحد تلو الآخر باتجاه الممر حيث أقدم أحد القراصنة على حز رقابهم وهو ينادي بالعبارة التي يطلقونها عادة عند ذبح القطيع : «الله أكبر» وكانوا ينظرون إلى ذبح هؤلاء على أنه تضحية لاسترضاء نبيهم. ولإظهار هؤلاء البؤساء الخارجين عن القانون يحملون بعض الصفات المدهشة للشخصية الوطنية التي جعلت من العرب شاذين في تاريخ الأمم المتوحشة ، فإن بعض الصفات الأكثر نبلا امتزجت بوحشيتهم القاسية. إن شخصية النساء وفضيلتهن كانت دوما موضع احترام ، وكان من شأن تصرف معاكس أن يجلب عليهن العار وعلى قبائلهن الخزي. وكان أحد الضحايا من المسلمين فأبقوا على حياته بعد أن جردوه من ثيابه وسلبوه ما يملك ، إلا أن الموت كان ينتظر الكافرين بالمرصاد. ولا بد من أن أضيف القول بأن وحشيتهم تزداد سوءا ، كما أوضحت ، عند ما يواجه انتقامهم مقاومة تكلفهم بعض الخسائر في أرواح رفاقهم (١).
إن الشجاعة التي ليس لها نظير هي بلا شك شجاعتهم وإذا تم أسرهم ، فإنهم يتقبلون
__________________
(*) يبدو أن هذه الحادثة كانت رد فعل وانتقام لتصرفات شنيعة تعرض لها وراح ضحيتها مجموعة من أقاربهم غير أن تاريخ القرصنة الأوروبي في حوض البحر الأبيض المتوسط وما فعله البرتغاليون أمثال ألفونسو دلبوكرك ما هو أفظع ممارسمه المؤلف لنا هنا.