العرب الذين يقطنون الواحات والمدن الواقعة فيما بينها عبارة عن شعب أبي ، سامي الأخلاق ، أقل فسادا من أولئك الذين انتقلوا من حياة الرعي إلى حياة الزراعة في مناطق أخرى من جزيرة العرب : فلم يجردهم ارتباطهم بالأرض وحياة الاستيطان التي اعتادوا عليها إلا من بعض الخصائص المميزة التي يملكها أشقاؤهم سكان الصحراء. وهم كرماء وشجعان عرف عنهم حسن الضيافة ، إلا أنهم في نفس الوقت محبون للانتقام وسريعو الغضب وحساسون جدا إزاء الإهانة.
وقد تسببت أشياء تافهة جدا في إحداث خصومات دموية رهيبة وسأذكر ، مثالا على ذلك ، حادثة شهدتها بأم عيني. فقد كانت إحدى الأسر من قرية مجاورة تزور أسرة أخرى في (بدية). وفيما كان ابنها وهو غلام في العاشرة من عمره ، يتشاجر مع صبي آخر من صبيان المدينة ، تلقى صفعة من والد الصبي الآخر الذي جاء لفض الشجار. فما كان من الصبي إلا أن ذهب باكيا إلى أسرته التي ثارت ثائرتها ورحلت عن البلدة وعادت إلى قبيلتها. وفي صباح اليوم التالي وصل وفد إلى (بدية) طالبا إيضاح سبب الإهانة. وجلس الطرفان في الساعة الثامنة لمناقشة القضية ، ونهض أعضاء الوفد مرات عديدة للانصراف دون توصل إلى حل مما يعني أن المعارك ستنشب بين الطرفين. غير أن وجهاء البلدة أقنعوهم بالجلوس ثانية ولم تسوّى القضية الخطيرة إلا بحلول مغيب الشمس. وفي اليوم التالي أقيمت وليمة دعي إليها ما يقرب من عشرين شخص من أبناء القبيلة التي تعرضت للإهانة وبذلك حسمت القضية.
وهناك فارق أيضا في السلوك الأخلاقي بين سكان المدن الساحلية وسكان المناطق الداخلية المأهولة وهو فارق شديد الوضوح في عمان مثلما هو كذلك في بقية أجزاء العالم. فالتهتك العلني في الأخلاق يميز الطبقات الدنيا من سكان المدن الساحلية. كما أن عادات بعض الطبقات العليا فاسقة ومنحلّة. لكن أرجو ألّا يفهم أنني أطبق هذا الكلام عموما لان العناية المبذولة للحيلولة دون ذيوع هذا الشذوذ ما هي إلا دليل كاف على أنهم ليسوا غير مكترثين البتة لحالة السلوك الأخلاقي. وبقدر علمي ، ليس هناك إلا أدنى التزام بحسن النية في الصفقات التجارية. كما أن الابتعاد عن حسن النية ومبادئها في العلاقات