واضحا هنا بخلاف ما هو عليه الأمر في الأجزاء المتمدنة المستقرة الأخرى من الجزيرة العربية. وقد اختلط كلا هذين الصنفين من السكان مع الفاتحين الخوارج واعتنقوا مذهبهم وزالت جميع الفروق بين الاثنين. إلا أنهم احتفظوا بفارق آخر ، نسي أمره ، في بقية الأقاليم حسب علمي. فالمؤرخون العرب يعيدون سكان (عمان) الحاليين إلى نسبين اثنين : قحطان وهو ابن عابر وعدنان سليل إسماعيل. وفي عمان يلقب ، أحفاد الأول باسم (Ummari) وأحفاد الثاني باسم (Gaaffri) (١). إلا أن هاتين التسميتين معروفتان محليا فقط لأن هناك مؤلفين عرب يطلقون على أحفاد الأول اسم العرب العاربة أو العرب الأصلاء فيما يطلق على أحفاد الثاني العرب المستعربة أو العرب الذين اختلطوا بغيرهم.
وتعامل كل فئة من هاتين الفئتين الفئة الأخرى بكراهية متبادلة. أما عرب المدن ، الذين لا يوجد بينهم مثل هذا الفارق ، فينقسمون إلى قبيلتين تحارب كل واحدة الأخرى مثلما تحاربان سكان الصحراء. وتطبق تطبيقا صارما القوانين الكريهة الخاصة بسفك الدماء والانتقام. وأصل هذه النزاعات يقوم على هذا الأساس أو بسبب الشيوخ الذين غالبا ما يكونون في حالة عداء موروث أو شخصي مع جيرانهم. وفي حال استمرار الأعمال العدائية ، فإنها تجري وفق نفس الأسس القائمة في الصحراء والمتمثلة بحسن النية. وهذه الأعمال لا تؤثر في الهدوء العام للمنطقة إذ في وسع الرحالة أن يجتاز أراضي القبائل المتناحرة دون خوف من انقطاع رحلته. والمهن الزراعية التي يمتهنوها لا تعد حقيرة الشأن كما هو الحال في أجزاء أخرى من الجزيرة العربية كما لا ينجم عنها الآثار المألوفة بتقليص الارتباط بالحرية ، فقد خسر الوهابيون مؤخرا المعركة مع سكان (بدية) الذين لم يتمكنوا إلا من حشد ثلث القوة التي تقدمت لمهاجمتهم. وفي ظل هذا التقييم الجيد ، لا أستطيع أن أدرج كل سكان الساحل البحري ، خاصة سكان (مسقط) الذين كثيرا ما اظهروا شدة جبنهم حتى إن كلمة مسقطي وكلمة جبان أصبحتا مترادفتين (٢).
__________________
(*) لعل المؤلف قصد بذلك اليمانية والغافرية.
(**) لا يمكن مقارنة قوة الشكيمة والبأس عند أفراد قبائل الصحاري والجبال بسكان المدن الساحلية لما في حياة المدن الساحلية من اختلاط ودعة وفردية تضعف العصبية القبيلة كما نبّه إلى ذلك العلامة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة غير أن اطلاق المؤلف هذا الحكم العام المجافي للحقيقة أو تقبله له وتلقفه دون روّية مؤشر على ضعف الكثير من الآراء التي شذّ بها عمن سبقه أو لحقه من الرحالة.