وآخر من براريها التي لم يقهرها أحد لإلحاق الدمار والخراب بغيرها من المناطق ، فذلك كله يوفر موضوعا يستحق منا الاهتمام والدراسة على وجه الخصوص.
لقد كانت الجزيرة العربية من بين الأمم الأولى التي شعرت بآثار الحضارة والمدنية. وعلى الرغم من أن هذه المنطقة هي التي شهدت توحد أول المجتمعات البشرية من اجل الحماية المشتركة ، إلا أن حكومتها ، مقارنة بتاريخ العالم ، لم تضف إلا الشيء القليل على شكلها البسيط الأصلي والأبوي ، وذلك منذ العهود الغابرة التي تصل إليها المعلومات التاريخية وحتى اللحظة الراهنة. وتنطبق هذه الملاحظة ، بالدرجة الأساسية ، على الجزء الجنوبي (١) من هذه القارة الشاسعة إذ أننا نعرف ، من خلال تراث الأمة ومصداقية الكتّاب في الشرق ، بأنه بعد الطوفان بفترة قصيرة من الزمن ، إن القليلين ممن أنقذتهم الرحمة الإلهية من تلك الكارثة المروعة ، استوطنوا منطقة من مناطق حضرموت تدعى (الأحقاف) (٢) ويقال أنهم من قبيلة (٣) ابن (عوص) وهو ابن (سام) ويفترض بأن جزيرة العرب انحدر سكانها من هذا النسب.
__________________
(*) قد نعذر المؤلف في تصوره الخاطئ هذا نظرا لغياب المعلومات عن حضارة شعوب العربية الجنوبية آنذاك أما اليوم فمن المعلوم والثابت أن ركيزة سكان العربية الجنوبية هي الكيان الاجتماعي المسمى عندهم «شعب» وهم كيان حضري مستقر تربطهم وتجمعهم رابطة اقتصادية وليست صلة الدم أو النسب وعرفوا حياة دينية معقدة التركيب ولم تكن ديانة بدائية كالتي عرفها بدو الصحراء الرحل ومارسوا التجارة على نطاق عالي من خلال انتاج البخور واللبان وتحكموا في مصادر المياه من خلال نجاحهم الكبير في إقامة السدود وقنوات الري وعرفوا نظام حكم شوري أشار إليه القرآن الكريم في معرض قصة سيدنا سليمان وملكة سبأ (سورة النمل الآية ٣٢) وسنوا التشريعات والقوانين الجزائية المدنية بما في ذلك القوانين التجارية.
(**) ورد في النص الإنجليزي (AL AKAS) وهو تصحيف.
(***) يشير هنا إلى نسب عاد وقد نسب الأخباريون عاد إلى عاد بن إرم بن عوص بن سالم بن نوح.