اجتمع منظر الناس المفعمين بالحيوية والضاربة بشرتهم إلى الحمرة وهم يأخذون بالتوافد إلينا من كل حدب وصوب مع برودة هواء الصباح المنعش الجميل ليشكلا معا مشهدا لا يمكن لمن يحدق في الجانب المجدب من الساحل أن يتوقعه.
في الساعة السادسة صباحا ركبنا إبلنا ، وبعد مرورنا بقرى (زخن) و (غريّه) و (جول الشيخ) ، وصلنا قرية صغيرة أخرى توقعنا أن نلتقي فيها بالسلطان ، إلا أننا وجدنا لفرحتنا الشديدة وبعد الاستفسار بأنه قد سافر في اليوم السابق إلى (حبّان) ، وعندئذ واصلنا سيرنا إلى أمام.
أوقفنا العديد من الناس على قارعة الطريق وألقوا علينا بتحيتهم العربية المهذبة. وكان يبدو عليهم الرضا التام وهم يستمعون إلى إجابات مرشدينا التي كانت مناسبة وتتلخص بأننا نريد رؤية السلطان لبعض الأمور. إلا أن رجلا واحدا فقط استطاع أن يتعرف إلينا في أثناء رحلتنا كأشخاص إنكليز. وكان هذا أحد مواطني (حضرموت) إذ كان قد سمع بالإنكليز في (صحار) وظن إننا ذاهبون لشراء (حصن الغراب) من (عبد الواحد) (١).
في الساعة التاسعة اجتزنا (منصورة) و (صعيد) ووصلنا إلى (جول عقيل) إحدى أكبر القرى في هذه المجموعة. وبعد أن تركنا العديد من القرى الأخرى إلى شمالنا ، بدأنا الآن نجتاز تلا يبلغ ارتفاعه مائتي قدم ويتكون من الحجر الرملي الضارب إلى الحمرة ومن فوق قمة هذا التل ، كانت الآثار التي نحن بصددها تشير إلينا. وعند ما قيل لنا بأن الأرض المحيطة بها تعج باللصوص ، اضطررنا إلى التوقف في إحدى القرى لاصطحاب أحد سكانها معنا. وكما هو مألوف ، فقد تركنا مرشدونا وأخذوا يبحثون عن ملاذ من الشمس الحارة بينما بدأنا بإعداد طعام فطورنا المؤلف من التمور والحليب تحت ظل أي بقعة نجدها. كانت الشمس عمودية ولم توفر لنا جدران البيوت أي ظلال. ولما لاحظ السكان ذلك ، أتى بعضهم إلينا وعرضوا علينا أن يضيفونا في بيوتهم بكل مودة. فوافقنا بسرور وسرنا وراء أحدهم. وعلى الفور قدمت القهوة لنا ، واستطعنا بعد شيء من الصعوبة وبعد
__________________
(*) آل عبد الواحد حكام المنطقة منذ القرن العاشر الهجري نسبة إلى عبد الواحد بن صلاح بن روضان.