حالة يرثى لها. كانت المناطق المحاذية لها مزروعة إلى حد كبير وكانت بساتين النخيل كثيرة وكثيفة. لكن أهالي البلدة كانوا يكرسون جل حياتهم للأغراض التجارية بالدرجة الأساس ولهذا كانوا يحظون بميناء جيد. وكانت لديهم مراكب وزوارق يبلغ عددها حوالي ثلاثمائة زورق من مختلف الأحجام تقوم بالأعمال التجارية ، في المواسم الصافية ، بين سواحل الهند وإفريقيا والخليج العربي وبحر العرب. والحقيقة أن صادراتها ووارداتها تافهة ، فلا تتعدى الصادرات التمور والأسماك المملحة في حين تتمثل الواردات بالحبوب والأقمشة. إلا أن الأرباح الناجمة عن تبادل مختلف المنتجات التي ذكرتها تكفي لأعالتهم في الفترات العصيبة من السنة. وهم يعترفون بالسلطة لكنهم لا يدفعون أي ضريبة للسيد سعيد. ويسود الاعتقاد أن هذه البلدة موغلة في القدم ويقال أن الشاميين كانوا قد احتلوها.
الأول من ديسمبر / كانون الأول : انطلقت في صباح هذا اليوم الباكر بصحبة أحد الأدلاء متوجها إلى سلسلة الجبال الشمالية. ولما كان الطريق لا يصلح لسير الجياد ، فقد لجأنا إلى استخدام الحمير التي أوصلتنا إلى قدمات التلال في بحر ساعتين ونصف الساعة. وعند تلك النقطة ترجلنا عن دوابنا وواصلنا طريقنا ونحن نسير على أقدامنا الواحد تلو الآخر. وبعد مرور ساعة من الإنهاك والتسلق في أماكن عديدة بدلا من السير سيرا اعتياديا توقفنا لاسترداد أنفاسنا قرب قرية صغيرة وبعد أن روينا ظمأنا قرب أحد الجداول العذبة التي كان يتدفق ماؤها وسط الوادي متجها إلى السهول الممتدة إلى الأسفل ، انطلقنا في سيرنا ثانية. سرنا مسافة أربع ساعات ، قطعنا في أثنائها العديد من الوديان الضيقة العميقة الوفيرة المياه التي تنتشر فيها أشجار النخيل والمساحات المزروعة. وأخيرا وصلنا إلى القمة. ولكن وراء المشهد الذي حصلنا عليه من البقاع المجاورة والجو البارد اللطيف ، لم نحصل إلا على القليل ثمنا لمتاعبنا. فقد انتشرت الأراضي المستوية والصخور الكلسية وأسفرت عن وجهها الكالح والكئيب في كل الاتجاهات. وكانت بعض قطعان الأغنام والماعز تبحث عن كلأ شحيح في البقاع المجاورة. أما في هذه البقعة بالذات ، فلم نعثر على آدمي واحد يكسر الصمت المطبق من حولنا.
وفي هذا المكان الذي يشكل الرأس ، أو أقصى الطرف الجنوبي الشرقي من السلسلة