صبيا. ولما كانت مشاعر الانتقام تشكل ملمحا بارزا من ملامح شخصية العرب ، فإن الشيخ الشاب استمر منذ تلك اللحظة يكن أشد مشاعر الحقد للقبيلة وعند ما عينّ في هذه السنة لقيادة قوة الوهابيين الحدودية في (البريمي) ، فإنه تقدم على حين غرة على رأس قوة قوامها ثلاثة آلاف رجل باتجاه (بدية) ، على الرغم من أن الوهابيين كانوا في حالة سلم مع الإمام. بيد أن القبيلة التي كان مصمما على القضاء عليها تلقت أخبار تحركه قبل ساعتين من وصوله فما كان منها إلا أن جمعت ثمانمائة رجل ، وهو كل ما كان يتوفر من الرجال آنذاك لمقاومته. وكان هؤلاء الرجال مسلحين تسليحا جيدا (وشكلت تهديدات الشيخ بن مطلق باستئصال القبيلة بلا هوادة ولا رحمة ، دافعا قويا لهم بأن يبذلوا قصارى جهدهم). وعلى الرغم من قلة عددهم ، إلا أنهم هاجموا الوهابيين هجوما عنيفا غير متوقع وأرغموهم على الانسحاب من الميدان. وبعد أن ذبحوا العديد منهم أرغم الباقون على الفرار والنجاة بأنفسهم. وجن جنون الشيخ بن مطلق للهزيمة التي لحقت به وبات الخطر يتهدده من كل جانب ولو لا ولاء القليلين الذين أسرعوا بإخراجه من الميدان لكان قد لقي المصير نفسه الذي لقيه والده في هذه البقعة بالذات. وبعد توقف قصير في هذه القرية في انتظار جمالنا ، واصلنا رحلتنا صوب الشمال والشمال الغربي حتى الساعة الثانية عشرة وإذ ذاك وصلنا إلى (القابل)(Cawbi) التي يحيط بها سور تنتشر عليه القلاع. استقبلني الشيخ عند إحدى البوابات ورافقني سيرا على الأقدام داخل البلدة. وبدا تواقا جدا لأن أتوقف في هذه البلدة لكني كنت راغبا في السير نحو (إبرا). كانت سطوح المنازل ونوافذها تحتشد بالناس الذين تجمهروا لمشاهدتنا. في الساعة الواحدة مررنا ب (دريز) وفي الواحدة والنصف وصلنا (Modera) وهاتان واحتان صغيرتان وفيهما قريتان. وفي الساعة الثانية بدأت المنطقة تغير من طبيعتها بعد أن كانت عبارة عن سلسلة من السهول. وأخذت تقطعها تلال واطئة كلسية لا يزيد ارتفاعها عن مائة وخمسين قدم. وكانت بنات آوى والضباع تحتل الكهوف العديدة التي تنتشر فيها. وفي الساعة الخامسة والنصف غيرّنا اتجاهنا من الشمال والشمال الغربي إلى الغرب والشمال الغربي وبنفس اتجاه وادي (Betha) حتى وصلنا مدينة (إبرا).
نصبت خيمتي في قعر مجرى ماء جاف على بعد بضع ياردات من بستان نخيل يحيط به