جدول ماء عذب رقراق جلست على حافته العديد من الفتيات اللواتي كن يسبحن فيه شبه عاريات على الرغم من اقترابي منهن. وهناك فتيات أخريات كن يغسلن الثياب أو أواني الطبخ النحاسية وكن يضحكن ويتجاذبن أطراف الحديث على نحو مهذار. وبعد توقفنا بقليل قدم لنا خروف والعديد من طوس الحليب. أما في المساء فلم يزرني إلا القليل من الناس.
الاثنين ، الرابع عشر من ديسمبر / كانون الأول : رافقني (سيف) لزيارة البلدة التي كانت يوما ما ذات شأن. إلا أنها باتت اليوم في حالة يرثى لها. وينتاب المرء إحساس بتغير الجو عند ما يأتي من الصحراء إلى البستان ، فالهواء عليل ورطب ، والأرض مشبعة بالرطوبة المنتشرة في جميع الجهات ، ومن كثافة الظلال ، يبدو كل شيء ، مظلما وكئيبا. ثمة بعض البيوت الجميلة لا تزال قائمة في (إبرا) ، غير أن طراز البناء يظل يشكل طابعا فريدا في هذا الجزء من الجزيرة العربية. فلأجل أن يتخلص السكان من الرطوبة والحصول على أشعة الشمس بين وقت وآخر من خلال الأشجار ، قاموا ببناء البيوت العالية. وحاجز الشرفة الذي يحيط بالطابق العلوي ذو أبراج ؛ بل أن مدافع نصبت فوق البيوت الكبيرة. أما النوافذ والأبواب فذات أقواس إسلامية ، وكل قسم من أقسام المبنى تحتشد فيه النقوش والزخارف الجصية البارزة ، وكان بعضها ينم عن ذوق رفيع. وكانت الأبواب مؤطرة بالبرونز ومزودة بالحلقات وغير ذلك من النقوش الكثيرة من نفس المعدن.
ويقام في هذا المكان سوق يومي تباع فيه الحبوب والفواكه والخضروات حيث يأتي البدو وسكان القرى القريبة للشراء بأعداد كبيرة. وتكون المنصات التي تعرض عليها البضاعة مشغولة في ساعات البيع فقط. وهذه عبارة عن منصات مربعة الشكل ، صغيرة ، يحيط بها حاجز واطئ ومسقفة ومفتوحة من الأمام وأرضيتها ترتفع حوالي قدمين عن مستوى سطح الشارع. وعلى مقربة من (إبرا) ، وعلى مسافة لا تزيد عن مائتي ياردة ، ثمة بلدة صغيرة أخرى ، إلا أن سكانها في حالة عداء والناس الذين لحقوا بنا من المدينة الأولى لا يملكون الجرأة لدخول أراضي البلدة الثانية. وتنتصب فوق المرتفعات الجرداء ذات القمم القريبة من هذه البلدة والبلدات الأخرى المجاورة بعض الأبراج المدورة تشكل