أصدقائهم. إن كل مسافر في مثل هذه الرحلات يحمل نارا متوهجة ولا يولون عناية أكبر من تلك التي يولونها لبنادقهم عند خلوها من الطلقات. ولذلك فعند ما يجتمع هؤلاء الرجال حال اقترابنا من بقعة تثير الشكوك ، فإنني دائما أفكر بأن ثمة سبب للخوف من الخطر من أصدقائي أكثر من الأعداء. في الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والعشرين وصلنا (طلهات) حيث توجد قلعتان صغيرتان مشيدتان فوق قمتي تل يطل على البلدة. والبلدة مسورة وأشجار النخيل تنمو بكثافة قربها ، في حين يجري فيها جدول ماء رقراق. لقد تجنبت حتى الآن النوم في بساتين النخيل ، إلا أننا اضطررنا إلى النوم في إحداها هذه المرة وكانت النتيجة لذلك كما توقعت ، فقد هاجمت الحمى القاسية اثنين من خدمي ، إذ بلغت درجة الحرارة ٥٨ فهرنهايت.
الاثنين ، الحادي والعشرون من ديسمبر / كانون الأول : بدأنا رحلتنا الساعة العاشرة وفي الساعة الثانية عشرة اجتزنا أرضا صحراوية ومررنا ببلدة عند قدمات الجبل الأخضر تدعى (بركة الموز) وتقع إلى جهة الشمال وتبعد مسافة ثمانية أميال. في الساعة الثانية عشرة والنصف وصلنا إلى (محيول) ويقع على طرفها الجنوبي حصنان دائريان. في الساعة الواحدة والنصف دخلنا ضواحي بلدة (منح). تختلف هذه المدينة عن سواها من حيث أن المحاصيل تزرع في الحقول المستوية. وبينما كنا نجتازها ونشاهد ما فيها من أشجار اللوز الباسقة والبرتقال والكبّاد ذات الروائح العطرة التي تنتشر على كلا الجانبين انطلقت حناجرنا بصيحات الدهشة والإعجاب وقلنا : «أهذه هي جزيرة العرب؟ أهذه هي البلاد التي طالما نظرنا إليها على أنها صحراء؟» كانت الحقول المخضوضرة للحبوب وقصب السكر تمتد مسافة أميال طويلة أمامنا ، وجداول الماء تنتشر في كل الاتجاهات وتقطع طريقنا. أما ملامح الفلاحين السعيدة والراضية فكانت تساعد في ملء الصورة المبهجة برمتها. كان الجو كله صافيا نقيا ، وبينما كنا منطلقين في سيرنا مرحين ، نؤدي التحية أو نردها ظننت أننا قد وصلنا في خاتمة المطاف إلى (بلاد العرب السعيدة) التي ظننت دوما أنها موجودة في روايات شعرائنا ليس إلا.
عند الدخول إلى البلدة ، استقبلني بعض أقرباء (السيد سعيد) ، وقادني إلى بقعة مكشوفة