سليمان النّوفلي قال : سمعت أبي يقول : كنت مع عبد الله بن علي أول ما دخل دمشق ، فدخلها بالسيف ثلاث ساعات من النهار ، وجعل مسجد جامعها سبعين يوما اصطبلا لدوابه وجماله ، ثم نبش قبور بني أميّة ، فنبش قبر معاوية فلم يجد فيه إلّا خيطا أسود مثل الهباء ، ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجد منه جمجمته ، وكان يوجد في القبر العضو بعد العضو غير هشام بن عبد الملك ، فإنه وجد صحيحا لم يبل منه إلّا أرنبة أنفه ، فضربه بالسياط وهو ميت ، وصلبه أياما ، ثم أمر به فأحرق بالنار ، ودقّ رماده ، ونخل ، وذري في الريح ، ثم تتبع بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فطلبهم فأخذ منهم اثنين وتسعين نفسا ، ولم يفلت منهم إلّا صبي صغير يرضع ، أو من هرب إلى الأندلس فلم يقدر عليه ، فقتلهم على نهر بالرّملة ، وجمعهم وبسط عليهم الأنطاع ، وجعل فوق الأنطاع موائد عليها الطعام ، وجلس يأكل ويأكلون فوقهم ، وهم يتحركون من تحت الأنطاع ، واستصفى كلّ شيء كان لهم من الضياع والدور والعقار.
وكان السبب فيما عمل بجثة هشام بن عبد الملك أنه لم تحدّث الناس أن الخلافة تصير إلى ولد العبّاس كتب هشام إلى عامله على المدينة أن يشخص محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس إلى حضرته إلى دمشق ، فأشخصه وأمره بلزوم الباب ، فاشترى محمّد بن علي بها جارية ، فجاءت بابن ، فأنكر محمّد الابن ، فاختصما إلى هشام بن عبد الملك ، فأمر قاضيه أن يحكم بينهما ، فاستحلفه فحلف أنه ليس بابنه وفرّق بينهما ، ثم إن محمّد بن علي لمّا أن بلغ الصبي سبع سنين دسّ إليه من سرقه ، فأتاه به فقتله ، فاستعدت أمّه عليه إلى هشام ، فحلف أنه ما قتله ولا دسّ إليه من قتله ، ولا يعلم له قاتلا ، ثم إنّ هشاما أمر أصحاب الأبواب أن يتجسسوا في الغوطة هل عندهم من ذلك خبر؟ فجاءه رجل من أهل المزّة ، فذكر أنه كان يسقي أرضا له بالليل ، وأنه رأى رجلا راكبا على فرس ، وقد أردف خلفه آخر ، ومعه آخر يمشي ، فقتلوا واحدا منهم ودفنوه ولم يعلموا بي. وقد علّمت على الموضع الذي فيه القتيل ، وتتّبعت (١) أثرهم حتى دخلوا المدينة ، وعرفت الدار التي دخلوها ، فقال هشام : لله درّك ، فرّجت عنّا ، ثم وجّه معه بأقوام إلى الدار التي ذكر ، فإذا دار محمّد بن علي ، فأحضره ، وسأله ، فأنكر فوجّه فنبش الصبي ووضع بين يديه مقتولا (٢) فقال هشام : لو لا أن الأب لا يقاد
__________________
(١) في «ز» : وتبعت.
(٢) آخر الكلمة غير واضح بالأصل وفي د : مقتول ، والمثبت عن «ز» : مقتولا.