ما كانوا ، وذلك أنّ مسلمة لما رأى من جموعه وكثرة من معه أعجبه ذلك ، فكتب إليه يؤدبهم لحربهم ويتهددهم بجموعه ، ثم أقام بعد كتابه نحوا من ثلاثة أشهر ، وقد جمعوا جمعا لم يكن به طاقة ، وقد رأيت أن يأذن لي أن أغزوهم غزوة أطأ فيها حريمهم ، وأنتقم للمسلمين منهم ، فقال : قد أذنت لك ، قال : فأمدني عليهم بعشرين ومائة ألف فارس رامح ، فقال : قد فعلت ذاك ، وهم آتوك قال : ويكتم ذاك أمير المؤمنين من خاصته وعامته ، فإنّي لو قدمت البلاد أذعت محاربة أمة من الأمم ممن خولنا غيرهم ، فإذا قدمت الجنود وفرغت من أمورهم اغتررتهم بالدخول عليهم ، قال : فافعل ، فودّعه وانصرف ، فلا يدري أحد ما كلّمه به من ذلك.
قال : وأخبرني الوليد ، قال : فحدّثني غير واحد ممن شهد غزاة السائحة مع مروان أحدهم شيخ من أهل قنّسرين قال :
قدمنا على مروان في عشرين ومائة ألف فارس رامح هن (١) جميع أجناد الشام ، والجزيرة ، والموصل ، والمتطوعة كثيرة من أهل العراق وغيرهم ، فقدمنا عليه ، وهو مظهر لمحاربة ملك اللّان وغيره ، وقد كتب إلى صاحب خزر يعرض له بالصلح ، فإن كان لك في شيء من ذلك هوى فوفّد إليّ وفدا ، نعاملهم عليه يقدم عليك وفدي بتمام ذلك ، والشهادة عليّ وعليك. فوجه صاحب خزر وفدا ومروان يعرض الخيول ويعطي ال (٢) ويتجهز لأمره ويحضرهم مجلسه ، ويقرب منهم ، ويسمعهم ما يحبون ويتلطى على الأمة التي ذكر حتى إذا فرغ فلم يكن إلّا الشخوص ، أظهر لوفد الخزر الحسبة ، فأغضبهم ذلك فأسمعوه فأمر بحملهم على مركبهم من البريد على طريق الباب وهي تدور ، ولم يأذن لهم أن يدخلوا من باب اللّان ، وقال لهم : أعلموا صاحبكم أني قد أذنته بحرب ، فمضى الوفد إلى الباب ، ودخل هو من باب اللّان ، وقدموا على طاغيتهم فأخبروه أنه تجهز بجهاز لم يروا مثله ، وأعدّ جمعا لم يروا مثله ، وقد آذنك بحرب.
قال : وجاءه الخبر : أن هذا مروان قد دخل عليك ، فجمع أهل مشورته وطراخينه فقال : ما ترون؟ وما تقولون؟ قالوا : إنّ مسلمة آذنك بحربه ، وتصرع في بلاده حتى جمعت له ، وإن هذا اعتراك فقد رهقك ، فإن أنت سرت إليه بمن حضرك هزمك ، وبلغ منك ، وإن أنت أردت أن تجمع له لم يجتمع لك جنودك ثلاثة أشهر ، وإلى ذلك ما قد بلغ منك
__________________
(١) كذا بالأصل وم وز.
(٢) كذا بالأصل وم وز.