إهلاكهم وسوء عاقبتهم ، واستثنى المخلصين من عباده ، وهم الأقل المقابل لقوله : (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) ، والمعنى : إلا عباد الله ، فإنهم نجوا. ولما ذكر ضلال الأولين ، وذكر أولهم شهرة ، وهم قوم نوح ، عليهالسلام ، تضمن أشياء منها : الدعاء على قومه ، وسؤاله النجاة ، وطلب النصرة. وأجابه تعالى في كل ذلك إجابة بلغ بها مراده. واللام في (فَلَنِعْمَ) جواب قسم كقوله :
يمينا لنعم السيدان وجدتما
والمخصوص بالمدح محذوف تقديره : فلنعم المجيبون نحن ، وجاء بصيغة الجمع للعظمة والكبرياء لقوله : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (١) و (الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) ، قال السدي : الغرق ، ومنه تكذيب الكفرة وركوب الماء ، وهوله ، وهم فصل متعين للفصلية لا يحتمل غيره. قال ابن عباس ، وقتادة : أهل الأرض كلهم من ذرية نوح. وفي الحديث : «أنه عليهالسلام قرأ (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) فقال : سام وحام ويافث». وقال الطبري : العرب من أولاد سام ، والسودان من أولاد حام ، والترك وغيرهم من أولاد يافث. وقالت فرقة : أبقى الله ذرية نوح ومد في نسله ، وليس الناس منحصرين في نسله ، بل في الأمم من لا يرجع إليه.
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) : أي في الباقين غابر الدهر ؛ ومفعول تركنا محذوف تقديره ثناء حسنا جميلا في آخر الدهر ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وسلام : رفع بالابتداء مستأنف ، سلم الله عليه ليقتدي بذلك البشر ، فلا يذكره أحد من العالمين بسوء. سلم تعالى عليه جزاء على ما صبر طويلا ، من أقوال الكفرة وإذايتهم له. وقال الزمخشري : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) ، هذه الكلمة ، وهي (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) يعني : يسلمون عليه تسليما ، ويدعون له ، وهو من الكلام المحكي ، كقولك : قرأت سورة أنزلناها. انتهى. وهذا قول الفراء وغيره من الكوفيين ، وهذا هو المتروك عليه ، وكأنه قال : وتركنا على نوح تسليما يسلم به عليه إلى يوم القيامة. انتهى. وفي قراءة عبد الله : سلاما بالنصب ، ومعنى في العالمين : ثبوت هذه التحية مثبوتة فيهم جميعا ، مدامة عليه في الملائكة ، والثقلين يسلمون عليه عن آخرهم. ثم علل هذه التحية بأنه كان محسنا ، ثم علل إحسانه بكونه مؤمنا ، فدل على جلالة الإيمان ومحله عند الله. (ثُمَّ
__________________
(١) سورة المرسلات : ٧٧ / ٢٣.