الصالحين. ولفظ الهبة غلب في الولد ، وإن كان قد جاء في الأخ ، كقوله : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (١). واشتملت البشارة على ذكورية المولود وبلوغه سن الحلم ووصفه بالحلم ، وأي حلم أعظم من قوله ، وقد عرض عليه أبوه الذبح : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)؟
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) ، بين هذه الجملة والتي قبلها محذوف تقديره : فولد له وشب. (فَلَمَّا بَلَغَ) : أي بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه. وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد : والسعي هنا : العمل والعبادة والمعونة. وقال قتادة : السعي على القدم ، يريد سعيا متمكنا ، وفيه قال الزمخشري : لا يصح تعلقه ببلغ به بلوغهما معا حد السعي ولا بالسعي ، لأن أصله المصدر لا يتقدم عليه ، فنفى أن يكون بيانا ، كأنه لما قال : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) ، أي الحد الذي يقدر فيه على السعي ، قيل : مع من؟ فقال : مع أبيه ، والمعنى في اختصاص الأب أنه أرفق الناس وأعطفهم عليه وعلى غيره وبما عنف عليه في الاستسعاء ، فلا يحتمله ، لأنه لم يستحكم قوله ، ولم يطلب عوده ، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة. انتهى.
(قالَ يا بُنَيَ) : نداء شفقة وترحم. (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) : أي بأمر من الله ، ويدل عليه : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ). ورؤيا الأنبياء وحي كاليقظة ، وذكره له الرؤيا تجسير على احتمال تلك البلية العظيمة. وشاوره بقوله : (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) ، وإن كان حتما من الله ليعلم ما عنده من تلقي هذا الامتحان العظيم ، ويصبره إن جزع ، ويوطن نفسه على ملاقاة هذا البلاء ، وتسكن نفسه لما لا بد منه ، إذ مفاجأة البلاء قبل الشعور به أصعب على النفس ، وكان ما رآه في المنام ولم يكن في اليقظة ، كرؤيا يوسف عليهالسلام ، ورؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخول المسجد الحرام ، ليدل على أن حالتي الأنبياء يقظة ومناما سواء في الصدق متظافرتان عليه.
قيل : إنه حين بشرت الملائكة بغلام حليم قال : هو إذن ذبيح الله.
فلما بلغ حد السعي معه قيل له : أوف بنذرك. قيل : رأى ليلة التروية قائلا يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا. فلما أصبح ، روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح. أمن الله هذا الحلم ، فمن ثم سمي يوم التروية. فلما أمسى ، رأى مثل ذلك ، فعرف أنه من الله ، فمن ثم سمي يوم عرفة. ثم رأى مثله في الليلة الثالثة ، فهمّ بنحره ، فسمي يوم النحر.
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٥٣.